فقلت: قاتلك الله ما أفصحك، فقالت له: أيعدّ هذا فصاحة مع قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ الآية ((١))، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. فالخبران هما (وأوحينا إلى أم موسى) وقوله (فإذا خفت عليه) لأنه يشعر بأنها ستخاف عليه، والأمران (أرضعيه) و (ألقيه). والنهيان (لا تخافي) و (لا تحزني). والبشارتان (إنا رادوه إليك) و (وجاعلوه من المرسلين) ((٢)).
٢. معنى الخوف والحزن:
" لقائل أن يقول: ما الفرق بين الخوف والحزن حتى عطف أحدهما على الآخر في قوله تعالى ﴿وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي﴾ ؟ ثُمَّ أليس من التناقض أن يثبت الخوف في قوله: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾، ثُمَّ ينفيه بقوله: ﴿وَلاَ تَخَافِي﴾ ؟.
الجواب على التناقض المزعوم أن الخوف الأول المثبت هو غرقه في النيل، والثاني هو خوف الذبح، فاندفع ما يتوهم من تناقض.
أما الاعتراض الأول، فهو مندفع بأن هذا من باب الإطناب، بل هو قسم نادر من أجمل أقسامه، وهو أن يذكر الشيء فيؤتى فيه بمعانٍ متداخلة إلا أن كل معنىً مختص بخصيصة ليست للآخر " ((٣)).
وهذا يدل على إعجاز الأسلوب القرآني في كونه يوهم أحياناً شيئاً فإذا ما قرأه القارئ المتمعن بان له خلاف ما توهمه، وتلك سمة من سمات إعجازه.
المعنى العام
١. ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ :
هنا يتبادر إلى الذهن سؤال هو ما المقصود بالوحي إلى أم موسى؟
(٢) التحرير والتنوير: ٢٠/ ٧٤.
(٣) إعراب القرآن وبيانه وصرفه: ٥/ ٢٨٥.