فقد ذكر الرازي أنه قد أتفق الأكثرون على أن أم موسى (- ﷺ -) ما كانت من الأنبياء والرسل ((١))، فلا يجوز أن يكون المراد من هذا الوحي هو الوحي الواصل إلى الأنبياء، لأن المرأة لا تكون نبية لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ ((٢)) خلافاً لليهود حيث ورد في بعض كتبهم كون بعض نسائهم من الأنبياء.
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الوحي على وجوه:
أحدهما ـ المراد رؤيا رأتها أم موسى (- عليه السلام -) وكان تأويلها وضع موسى (- عليه السلام -) في التابوت وقذفه في البحر وأن الله يرده إليها.
ثانياً ـ أن المراد عزيمة جازمة وقعت في قلبها دفعة واحدة.
ثالثاً ـ المراد منه الإلهام فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَما ـ في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ يقول: أي ألهمناها الذي صنعت بموسى ((٣)).
رابعاً ـ لعله أوحى إلى بعض الأنبياء في ذلك الزمان كشعيب (- عليه السلام -) أو غيره، ثم إن ذلك النبي عرّفها إما مشافهة أو مراسلة.
خامساً ـ لعل الأنبياء المتقدمين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ـ عَلَيْهم السَّلام ـ أخبروا بذلك وانتهى ذلك الخبر إلى تلك المرأة.
سادساً ـ لعل الله تعالى بعث إليها ملكاً، لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم ـ عَلَيْها السَّلام ـ.
والذي يرجحه الباحث من هذه الوجوه هو الوجه الثالث القائل بأن الله تعالى ألهمها لا إلهاماً على جهة النبوة، بل هو إلهام لا يشبه أي صيغة أخرى، وهو الأقرب للمنقول والمعقول.
٢. اسم أم موسى:

(١) مفاتيح الغيب: ١١/ ٥١. وينظر زَاد المَسِيْر: ٦ /٣٠١ - ٣٠٢.
(٢) سُوْرَة يُوْسُف: الآية ١٠٩.
(٣) تفسير ابن أبي حاتم: ٩/ ٢٩٤١.


الصفحة التالية
Icon