قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾، وهذا كلام شاك لا عالم، والأقرب أن يقال: إنه قصد الذهاب إلى مدين وما كان عالماً بالطريق، ثم إنه كان يسأل الناس عن كيفية الطريق، لأنه يبعد من موسى (- عليه السلام -) في عقله وذكائه أن لا يسأل ((١)).
وهو الذي نرجحه، فإضافة إلى الأدلة السابقة، نضيف دليلاً عقلياً أخر وهو أن سيدنا موسى (- عليه السلام -) قضى أغلب مراحل حياته في قصر فرعون، ولا علم له بأقاربه في المدن الأخرى، ولا سيما أنها تبعد عن مصر ثمان ليال، هذا جانب. والجانب الأخر هو أن سيدنا موسى (- عليه السلام -) كان في حالة خوف شديد من أن تصله أيدي جنود فرعون فأراد أن يخرج من هذا المكان بأسرع وقت حتى نسي أن يأخذ الزاد معه ولوازم السفر، فكيف له في هذه اللحظات العصيبة أن يتذكر أقربائه في مدين.
﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾
قيل عُني بـ ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ الطريق إلى مدين، وهذا قول مجاهد. وقيل: معناه قصد السبيل. وقيل: الطريق المستقيم ((٢)).
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾
وذكر أبو حيان الأندلسي إن الورود يكون بمعنى الوصول إلى الشيء وبمعنى الدخول فيه ((٣)).
وذكر القرطبي: " أن المراد بقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ مشى موسى (- عليه السلام -) حتى ورد ماء مدين، أي: بلغها. ووروده الماء معناه بلغها لا أنه دخل فيه، ولفظة الورود قد تكون بمعنى الدخول وقد تكون بمعنى الاطلاع والبلوغ إليه، وإن لم يدخل فورود موسى كان بالوصول إليه " ((٤)).
(٢) جامع البيان: ١٠ /٥٢.
(٣) البَحْر المُحِيْط: ٧ /١١١.
(٤) الجامع لأحكام القران: ٦/٤٩٨٣.