﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾
﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾، أي: سقى غنمهما لأجلهما، وفي كيفية السقي ذكر الرازي أقوالاً:
القول الأول ـ إنه (- عليه السلام -) سأل القوم أن يفسحوا ففسحوا.
القول الثاني ـ قال قوم: عمد إلى بئر على رأسه صخرة لا يقلها إلاّ عشرة. وقيل: أربعون. وقيل: مائة فنحاها بنفسه واستقى الماء من ذلك البئر.
القول الثالث: إن القوم لما زاحمهم موسى (- عليه السلام -) تعمدوا إلقاء ذلك الحجر على رأس البئر فهو (- عليه السلام -) رمى ذلك الحجر، وسقى لهما ((١)).
والصحيح أنه لم يرد بيان من القرآن يبين كيفية السقي، ولكن المرأة وصفت سيدنا موسى بالقوة حينما طلبت من والدها استئجاره
﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾، فدلّ ذلك على أنها رأت منه قوة كبيرة وصفته بها أمام والدها ودعتها لطلب استئجاره. وأن موسى (- عليه السلام -) رفع صخرة كبيرة لا يستطيع غيره من الرجال أن يرفعها ليسقي لهما الماء.
﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾
أي انصرف موسى (- عليه السلام -) جاعلاً ظهره يلي ما كان يلي وجهه ليقيل تحت الظل، ويستره مقبلاً على الخالق.
وذكر الطبري أنه قال هذا القول ﴿إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾، وهو محتاج، وهو بجهد شديد، وعرض ذلك للمرأتين تعريضاً لهما لعلهما أن تطعماه مما به من شدة الجوع ((٢)).

(١) مفاتيح الغيب: ١٢/ ٢٣٩.
(٢) جامع البيان: ١/ ٥٦- ٥٧.


الصفحة التالية
Icon