في قوله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ في هذه الآية فنون عديدة، فلهذا جعلها علماء البلاغة أنها من الكلام الجامع المانع الحكيم الذي لا يزاد عليه، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان في القائم بأمرك والمتعهد لشؤونك وهما الكفاية والأمانة، فقد فرغ بالك وتم مرادك وأصبح هذا القول مثلاً يتداوله الناس على مر العصور، وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل والحكمة أن تقول استأجره لقوته وأمانته. وفي التعميم الذي هو أجمل وأليق في مدح النساء للرجال من المدح الخاص، وأبقى للتحشم والتصون ولا سيما بعد أن فهمت غرض أبيها وهو تزويجها منه، وهذا الإبهام من ابنة شعيب (- عليه السلام -) قد سلكته زليخا مع يوسف (- عليه السلام -)، ولكن شتان ما بين الحياء المجبول والمستعمل حيث قالت لسيدها: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ((١))، وهي تعني ما جزاء يوسف بما أرادني من السوء إلا أن تسجنه، أو تعذبه عذاباً أليماً، ولكنها أوهمت زوجها الحياء أن تنطق بالعصمة منسوباً إليها الخنا إيذاناً بان هذا الحياء منها الذي يمنعها أن تنطق بهذا الأمر يمنعها من مراودة يوسف بطريقة الأحرى والأولى. إذاً هذه الآية قد حوت الإيجاز والمثل والتعميم والإبهام ((٢)).

(١) سُوْرَة يُوْسُف: الآية ٢٥.
(٢) ينظر الكشاف: ٣/ ١٧٢، والانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال. نَاصِر الدِّيْن أحمد بن مُحَمَّد بن المنير الإسكندري المالكي. ت ٦٨٣ هـ. دار الكِتَاب العربي. بيروت. لبنان. (د. ت.).: ٣/ ١٧٢.


الصفحة التالية
Icon