قال في سورة النمل: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ﴾، وقال في القصص: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي﴾، وقد فرق الراغب بين المجيء والإتيان فقال: " المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم لأن الإتيان مجيء بسهولة، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وأن لم يكن منه الحصول، والمجيء يقال اعتباراً بالحصول " ((١))، فإن ما قطعه موسى على نفسه في سورة النمل أصعب مما في سورة القصص، فقد قطع على نفسه أن يأتيهم بخبر أو بشهاب قبس، في حين ترجى ذلك في القصص، والقطع أشق وأصعب من الترجي، وغالباً ما يستعمل القران الكريم المجيء لما فيه صعوبة ومشقة ((٢)).
ذكر في القصص جهة النداء ﴿نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ﴾، ولم يذكر الجهة في سورة النمل، وذلك لأن موطن القصص موطن تفصيل وموطن النمل موطن إيجاز.
قال في سورة النمل: ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وقال في القصص: ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. قال الرازي: " ولا منافاة بين هذه الأشياء فهو تعالى ذكر الكل، إلا أنه حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء " ((٣))، ولأن الموقف في سورة النمل موقف تعظيم.
(٢) ينظر: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل. د. فاضل صالح السامرائي. الطبعة الأولى. دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد. ١٩٩٩ م: ص ٧٤ - ٨٠.
(٣) مفاتيح الغيب: ١٢/ ٤٢٥. البحر المحيط: ٧/ ١١٧.