وقال أبو حيان في البَحْر المُحِيْط، والرازي في مفاتيح الغيب: " فإن قلت كيف يتصل قوله: ﴿وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا﴾ بهذا الكلام، ومن أي جهة يكون استدراكاً؟ قلت: اتصاله به وكونه استدراكاً من حيث أن معناه: ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك قروناً كثيرة، فتطاول على أخرهم، وهو القرن الذي أنت فيهم. واندرست العلوم، فوجب إرسالك، فأرسلناك وكسبنّاك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى، كأنه قال: وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحيناه إليك، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة النظرة، ودلّ به على المسبب على عادة الله في اختصاره " ((١)).
﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾
" أي: وما كنت مقيماً في أهل مدين إقامة موسى وشعيب حال كونك ﴿تَتْلُوا عَلَيْهِمْ﴾، أي: تقرأ على أهل مدين بطريق التعليم منهم ﴿آيَاتِنَا﴾ الناطقة بالقصة
﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ إياك وموحين إليك تلك الآيات " ((٢)).
ونقل الرازي وجهين في قوله تعالى: ﴿تَتْلُوا عَلَيْهِمْ﴾ " الوجه الأول ـ قال مقاتل: يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم ولكنا كنا مرسلين أرسلناك وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها. الوجه الثاني ـ قال الضحاك: يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين تتلو عليهم الكتاب، وإنما كان غيرك، ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولاً " ((٣)).
ونحن نرجح الوجه الأول.
(٢) تنوير الأذهان: ٣ /١٤٩.
(٣) مفاتيح الغيب: ١٢ /٢٥٧.