قال الفراء: " أنزلنا عليهم الَقُرْآن يتبع بعضه بعضاً " ((١)).
وقال ابن عاشور: " للتوصيل أحوال كثيرة فهو باعتبار ألفاظه ووصلِّ بعضه ببعض، ولم ينزل جملة واحدة، وباعتبار معانيه، ووصلّ أصنافاً من الكلام وعداً ووعيداً، وترغيباً وترهيباً، وقصصاً ومواعظ، وعبراً ونصائح، يعقب بعضه بعضاً " ((٢)).
ما يستفاد من النصّ
بعد تحلينا للنص والوقوف على معانيه يمكن لنا أن نستخلص المعاني والعبر الآتية:
أولا. استدل القرآن الكريم بقصص الأنبياء والأمم السابقة التي جاء ذكرها في القرآن بتفاصيل أحداثها على صدق الرسول (- ﷺ -) فيما جاء به فالقرآن الكريم تحدث عن قصة سيدنا موسى (- عليه السلام -) مع فرعون وقومه بتفاصيل دقيقة ربما لا يعرفها حتى أهل الكتاب أنفسهم، وتحدث كذلك عن قصص للأنبياء مع أممهم مما لا علم للنبي (- ﷺ -) ولا لأهل جزيرة العرب بها، مما يؤكد كون القرآن وحياً من عند الله بصدقه في الخطاب التاريخي خلافاً لمن زعم أن قصصه للعظة وليست للأخبار التاريخية.
ثانياً. دلت هذه الآيات على حاجة البشرية إلى هدي النبوة في عهد سيدنا موسى
(- عليه السلام -) بعد أن أهلك القرون الأولى ودرست الشرائع واحتيج إلى نبي يرشد الناس إلى صلاحهم في الدنيا والآخرة بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ((٣)).
ثالثاً. نستدل من قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ على تاريخ اليهود المريب تكذيبهم ومحاربتهم لرسل الله ـ عَلَيْهِمْ السَّلاَم ـ على مرّ العصور وقتلهم الأنبياء بغير حق.
(٢) التحرير والتنوير: ٢٠ /١٤٢.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٤.