نستدل من إيمان هؤلاء النفر من أهل الكتاب بنبوة المصطفى (- ﷺ -) أن جميع رسالات الله ذات أصل واحد فيما يتعلق بالعقائد ومكارم الأخلاق، فهي قاطبة تدعو إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتدعو إلى فعل الخير، وتنهى عن فعل الشر، وتأمر بطاعة الله. والَقُرْآن الكَرِيم قد احتوى على تلك الأسس جميعاً من حلال وحرام، وترغيب وترهيب، ومواعظ وقصص، فجاء مصدقاً للأنبياء من قبله، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ((١)) وكذلك تضمن الَقُرْآن فضلاً عن ذلك أحكام وتشريعات جديدة تتناسب ورسالة الله الخاتمة.
لما كان الَقُرْآن الكَرِيم مشتملاً على أصول كتبهم ومصدقاً لنبوة أنبيائهم ودعا الناس للإيمان بهم، فصار كفر أهل الكتاب بالنبي (- ﷺ -) أو بكتابه كفراً بكتبهم ورسلهم، فإن التوراة قد بشرت بنبوته (- ﷺ -) في عدة أسفار ((٢))، وكذلك الإنجيل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ ((٣)).
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ ودلت هذه الآية كذلك على صفة أخرى من صفات الأتقياء، وهي بذل المال في سبيل الله.

(١) سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية ١٠١.
(٢) إظهار الحق. رحمة الله الهندي. الطبعة الرابعة. دار جدة. السعودية. ١٣٨٨ هـ: ١٢/ ١٤٥.
(٣) سُوْرَة الصَّفِ: الآية ٦.


الصفحة التالية
Icon