وهكذا يستبين لنا أن آفاق النص المفتوح توجه المعاني في تأويله، ومثل ذلك قوله تعالى فيها: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ ((١))، وهي آية صيغت صياغة جميلة ذات دلالة على ما يرضي الله عزوجل، غير أن كلمة ﴿الْفَرِحِينَ﴾ تفتح أبواباً لتفسيرها وتأويلها بين كونها على الحقيقة، أو على المجاز. فقال مجاهد: " يعني المبذخين الأشرين البطرين الذين لايشكرون الله فيما أعطاهم " ((٢))، فأول الفرحين بمن هذه صفتهم، ولا ريب في أن توجيه هذا التأويل يتطلب أن يكون قد تم نقله من المعنى الحقيقي الذي هو كل فرح ضمن سياق الفرح الانساني. الى المعنى المجازي، الذي هو: الفرح، كل من أوتي نعمة فكفرها وجحدها وفرح بكفره وجحوده في الدنيا، أو بمعنى آخر هو أن مجازية معنى (الفرح) انتقلت إلى حال من نهي عن الفرح بما أوتي في الدنيا، ولم يحبه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فيتوجه المعنى في ذلك إلى سياق جديد مجازي، وهو ما تنبه عليه بعض الدارسين للنص القرآني، فقال: " الفرح مفهوم مجازي حقيقته السرور، ومجازه الحب الدنيوي، والأطمئنان لها، وفي سورة القصص جاء قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ ((٣)).
وفسرت كلمة ﴿الْفَرِحِينَ﴾ بمعنىالكفار، فنقلت إلى المجاز، ولا ريب أن نقل الكلمة من الحقيقة إلى المجاز لا يتم الا بقرينة صارفة " ((٤)).

(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧٦.
(٢) تفسير مجاهد. مجاهد بن جبر المخزومي التابعي أبو الحجاج. (٢١ ـ ١٠٤). تحقيق: عَبْد الرَّحْمَن الطاهر مُحَمَّد السورتي. المنشورات العلمية. بيروت. (د. ت) : ص٤٩٠.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧٦.
(٤) الألفاظ الَقُرْآنية بين الحقيقة والمجاز. دراسة نقدية. عَبْد الله إمام عَبْد الله. الطبعة الأولى. مطبعة الرحمة. القاهرة. ١٩٩١ م: ص ٣٢٢ –٣٢٣.


الصفحة التالية
Icon