لكم، ومتابعاً، والإسلام هو الدخول في السلم، يقال : أسلم، أي : دخل في السلم، كقولهم : أشتى، وأقحط، وأصل السِّلم : السلامة، وقال ابن الأنباري :" المُسْلِم " معناه المخلص لله عبادته، من قولهم : سَلِم الشيء لفلان، أي : خَلصَ، فالإسلام معناه : إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى ".
وأما في عرف الشرع فالإسلام هو الإيمان ؛ لوجهين : أحدهما : هذه الآية ؛ لأن قوله :﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ يقتضي أن الدين المقبول عند الله ليس إلا الإسلام، فلو كان الإيمانُ غيرَ الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان ديناً مقبولاً عند الله - وهو باطل -.
الثاني : قوله تعالى :﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران : ٨٥] فلو كان الإيمانُ غيرَ الإسلام لوجب أن لا يكون مقبولاً عند الله تعالى.
قال القرطبيُّ : الإسلام هو الإيمان، بمعنى التداخل، وهو أن يُطْلَق أحدهما ويُراد به مسماه في الأصل ومُسمَّى الآخر، كما في هذه الآية ؛ إذ قد دخل فيهما التصديق والأعمال، ومنه قوله - عليه السلام - :" الإيمانَ مَعْرِفةٌ بالْقَلْبِ، وقَوْلٌ باللِّسَان، وعَمَلٌ بالأرْكَانِ " أخرجه ابن ماجه.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـاكِن قُولُوا ااْ أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات : ١٤] صريح في أن الإسلام غير الإيمان.
فالجواب : أن الإسلام عبارة عن انقياد - كما بينَّا في أصل اللغة - والمنافقون انقادوا في الظاهر من خوف السيف - فلا جرم - كان الإسلام حاصلاً في الظاهر، والإيمان - أيضاً - كان حاصلاً في حكم الظاهر ؛ لأنه - تعالى - قال :﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة : ٢٢١] والإيمان الذي يُبيح النكاحَ في الحكم - هو الإقرار الظاهر، فعلى هذا، الإسلام والإيمان تارةً يُعتبران في الظاهر دون الباطن، وتارة في الباطن والظاهر، فالأول هو النفاق، وهو المراد بقوله :" قَالَتِ الأعْرَابُ " ؛ لأن باطن المنافق غير منقاد لدين الله تعالى، فكان تقدير الآية : لم تسلموا في القلب والباطن، ولكن قولوا : أسلمْنا في الظاهر.
فصل قال قتادة - في قوله تعالى - :﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾، شهادة ألا إله إلا الله،
١٠٦
والإقرار بما جاء من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رُسُلَه وَدَلَّ عليه أولياءه، لا يقبلُ غيرَه، ولا يَجْزِي إلا به.
روى غالب القطان، قال : أتيتُ الكوفةَ في تجارة، فنزلتُ قريباً من الأعمش، فكنت أختلف إليه، فلما كنت ذاتَ ليلةٍ، أردت أن أنحدر إلى البصرة، قام من الليل يتهجد، فمرَّ بهذه الآيةِ :﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران : ١٨] قال الأعمش : وأنا أشهدُ بما شَهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، وهي لي - عند الله - وديعة، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ - قالها مراراً.
قلت : لقد سمع فيها شيئاً، فصليْت معه، وودعته، ثم قلت : إني سمعتُكَ تُرَدِّدُهَا، فما بلغك ؟ قال : واللهِ لا أحَدثُكَ بها إلى سنةٍ، فكتَبْتُ على بابه ذلك اليومَ، وأقمتُ سنةً، فلمَّا مضت السنةُ، قلتُ : يا أبا محمد، قد مضت السنةُ، فقال : حَدَّثني من حدثني عن رسول الله ﷺ قال رسول الله ﷺ " يُجَاء بِصَاحِبهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ اللهُ تعالى : إنَّ لِعَبْدِي هذا - عندي - عهداً، وَأنا أحَقُّ مَنْ وَفَى بِالْعَهْدِ، أدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ ".
قوله تعالى :﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام، أي : وما اختلف الذين أوتوا الكتابَ في نبوة محمد ﷺ إلاَّ من بعد ما جاءهم العلم، يعني بيان نعته في كتبهم.
وقال الربيع : إن موسى - عليه السلام - لما حضره الموتُ دعا سبعين رجلاً من أحبار بني إسرائيل، فاستَوْدَعَهم التوراة، واستخلف يُوشَعَ بن نون، فلما مضى القرنُ السبعين - حتى أهرقوا بينهم الدماء، ووقع الشَّرُّ والاختلافُ، وذلك ﴿مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ يعني بيان ما في التوراة، ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ أي : طلباً للملك والرياسة، فسلط الله عليهم الجبابرةَ.
قال محمدُ بنُ جفعر بن الزبير : نزلت في نصارى نجران، معناها :{وَمَا اخْتَلَفَ
١٠٧