- عليه السلام -، واعتقدوا أنه لا تأثيرَ له في تغليظ العقاب، فكان ذلك تصريحاً بتكذيبه - عليه السلام - وذلك كُفر، والكافر المُصِرُّ على كُفره لا شكَّ أن عذابَه مُخَلَّد، فثبت أنَّ احتجاجَ الجبائي بهذه الآية ضعيف ".
قوله :﴿وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِمْ﴾ الغُرور : الخِدَاع، يقال منه : غَرًَّهُ، يَغُرُّهُ، غُرُوراً، فهو غَارٌّ، ومغرور.
والغَرُور :- بالفتح - مثال مبالغة كالضَّرُوب.
والغِرُّ : الصغير، والغِرِّيرَة : الصغيرة ؛ لأنهما يُخ عان، و الغِرَّة : مأخوذة من هذا، قال : أخذه على غِرَّة، أي : تغفُّل وخداعِ، والغُرَّة : بياض في الوجه، يقال منه : وَجْهٌ أغَرُّ، ورجل أغَرّ وامرأة غَرَّاء.
والجمع القياسي : غُرٌّ، و غير القياسي غُرَّانُ.
قال :[الطويل] ١٣٧٧ - ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ
وَأوْجُهُهُمْ عِنْدَ الْمَشَاهِدِ غُرَّانُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٨
والغرة من كل شيء أنفسه، وفي الحديث :" وَجَعَلَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً، عَبْداً أوُ أمَةً ".
قيل : الغُرًَّة : الخِيار، وقال أبو عمرو بن العلاء - في تفسير هذا الحديث - إنه لا يكون إلا الأبيض من الرقيق، كأنه أخَذَه من الغُرَّة، وهو البياض في الوَجْه.
قوله :﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ " ما " يجوز أن تكون مصدريةً، أو بمعنى " الذي "، والعائد محذوف أي : الذي كانوا يفترونه.
قيل هو قولهم :﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة : ١٨].
وقيل : هو قولهم : نحن على الحق وأنت على الباطل.
قوله :" فَكَيْفَ إذا " " كَيْفَ " منصوبة بفعل مُضْمَر، تقديره : كيف يكون حالهم، كذا قدَّره الحوفيّ وهذا يحتمل أن يكون الكون تاماً، فيجيء في " كيف " الوجهان المتقدمان في قوله :" كَيْفَ تَكْفُرُونَ " من التشبيه بالحال، أو الظرف، وأن تكون الناقصة فتكون " كيف " خبرها.
١٢٠
وقدّر بعضهم الفعل، فقال : كيف يصنعون ؟ [فإن أراد " كان " التامة كانت في موضع نصب على الحال، وإن أراد الناقصة كانت في موضع نصب على خبر " كان " ]، فكيف على ما تقدم من الوجهين.
ويجوز أن تكون " كيف " خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف، تقديره : فكيف حالُهم ؟ قوله :﴿إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ " إذا " ظرف محض من غير تضمين شرط، والعامل فيه العامل مُضْمَر، وهي منصوبة انتصاب الظروفِ كان العامل في " إذَا " الاستقرار العامل في " كَيْفَ " ؛ لأنها كالظرف، وإن قلنا : إنها اسم غير ظرف، بل لمجرد السؤال كان العامل فيها نفس المبتدأ - الذي قدرناه - أي : كيف حالهم في وقت جمعهم ؟ ويُحْذَف الحال - كثيراً - مع " كيف "، لدلالته عليها، تقول : كنت أكرمه - ولم يزرني - فكيف لو زارني ؟ أي : كيف حاله إذا زارني ؟ وهذا الحذف يوجب مزيد البلاغة، لما فيه من تحرُّك النفي على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة، وكل نوع من أنواع العذاب - في هذه الآية -.
قوله :" لِيَوْمٍ " متعلق بـ " جَمَعْنَاهُمْ " أي : لقضاء يوم، أو لجزاء يوم.
فإن قيل : لِمَ قال :" لِيَوْمٍ " ولم يقل : في " يَوْمٍ ".
فالجوابُ : ما ذكرناه من أنّ المرادَ : لجزاء يوم، أو لحساب يوم، فحذف المضاف، ودلت اللام عليه قال الفرّاءُ : اللام لفعل مضمر، فإذا قلتَ : جُمِعُوا ليوم الخميس، كان المعنى : جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس، وإذا قلت : جُمِعُوا في يوم الخميس لم تُضْمِرْ فِعْلاً.
وأيضاً فمن المعلوم أن ذلك اليوم لا فائدةَ فيه إلا المجازاة.
وقال الكسائيُّ : اللام بمعنى " في ".
" لا ريب فيه " صفة للظرف.
قوله :﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ إن حَمَلْتَ " مَا كَسَبَتْ " على عمل العبد، جُعِلَ في الكلام حذفٌ، والتقدير : ووفيت كلُّ نفسٍ جزاءَ ما كسبت من ثواب وعقاب، وإن حملت " مَا كَسَبَتْ " على الثواب والعقاب استغنيت عن هذا الإضمار، ثم قال :﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ فلا يُنْقَص من ثواب حسناتهم، ولا يُزاد على عقاب سيئاتهم.

فصل استدلوا بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة - من أصحاب الصلاة - لا يُخَلَّد في


١٢١


الصفحة التالية
Icon