قال ابن عبَّاس :" هذا على وَجْه التَّعَجُّبِ، وليس في الدُّنْيَا شيءٌ مما في الجَنَّةِ سِوَى الأسماء، فكأنَّهم تَعَجَّبُوا لِمَا رأوه من حُسْنِ الثَّمَرَةِ، وعِظم خالقها ".
وقال قتادةُ :" خياراً لا رَذلَ فيه، كقوله تعالى :﴿كِتَاباً مُّتَشَابِهاً﴾ [الزمر : ٢٣] وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه ؛ لأنَّ فيها خياراً وغير خِيَار ".
قوله :﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ " لهم " خبر مُقَدَّم، وأزواج مبتدأ، و " فيها " متعلّق بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر.
قال أبو البقاء :" لا يكون فيها الخبر، لأنَّ الفائدة تقل ؛ إذ الفائدة في جَعْلِ الأَزواج لهم ".
وقوله :" مُطَهَّرةٌ " صفة، وأتى بها مفردة على حدِّ : النساءِ طَهُرَتْ ومنه بيت الحماسة :[الكامل] ٣١٩ - وَإِذَا العَذَارَى بَالدُّخَانِ تَلَفَّعَتْ
وَاسْتَعْجَلَتْ نَصْبَ القُدُورِ فَمَلَّتِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥
وقرأ زيد بن عليّ :" مُطَهَّراتٌ " على حَدِّ : النساءُ طَهَرْنَ.
وقرأ عبيد بن عمير :" مُطَهَّرة " يعني : متطَهِّرة.
والزوج ما يكون معه آخر، ويقالُ زوج للرَّجل والمرأة، وأمَّا " زَوْجَةٌ " فقليلٌ.
قال الأَصْمَعِيُّ : لا تكاد العربُ تقول : زوجة، ونَقَلَ الفرّاءُ أنّها لغة " تميم "، وأنشد للفرزدق :[الطويل] ٣٢٠ - وَإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي
كَسَاعٍ إلَى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلُهَا
٤٥٦
وفي الحديث عن عمَّار بن ياسرِ في حقِّ عائشة رضي الله عنهما :" إنِّي لاَعْلَمْ أنَّها زَوْجَتَهَ في الدُّنيا والآخرة " ذكره البُخَاري رضي الله عنه، واختاره الكسائيُّ.
والزَّوجُ أيضاً : الصِّنْفُ، والتثنية : زوجان.
والطّهارة : النظافة، والفِعْلُ منها طَهَرَ بالفتح، ويَقِلُّ الضَّمُ، واسم الفاعل منها " طاهر " فهو مقيسٌ على الأوَّلِ، شاذّ على الثَّاني، كـ " خاثر " و " حامِض " من خَثُرَ اللبنُ وحَمُضَ بضمِّ للعين.
فإن قيل : طاهرة، الجوابُ : في المُطَهَّرةِ إشعارٌ بأنَّ مُطَهِّراً طَهَّرَهُنَّ، وليس ذلك إلاَّ الله تعالى، وذلك يفيد فخامة أهل الثواب، كأنَّهُ قيل : إنَّ الله - تعالى - هو الَّذي زَيَّنَهُنَّ.
قال مُجَاهد :" لا يَبُلْنَ ولا يَتَغَوَّطْنَ وَلاَ يلِدْنَ وَلاَ يَحِضْنَ، وَلاَ يُبْغَضْنَ ".
وقال بعضه :" مُطَهَّرةٌ في اللغة أجمع من طاهرة وأَبْلَغ ".
٤٥٧
قوله :﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ هم مبتدأ، وخالدون خبره، وفيها متعلّق به.
وقال القرطبيُّ :" والظرفُ مَلْغِيٌّ، وقُدِّم ليوافق رؤوس الآي " وأجازوا أن يكون " فيها " خبراً أول، و " خالدون " خبر ثانٍ، وليس هذا بِسَدِيدٍ، وهذه الجملة والتي قبلها عطفٌ على الجملةِ قبلهما حسب ما تقدَّم.
وقال أبو البقاء :" وهاتان الجملتان مستأنفتان، ويجوز أن تكون الثانية حالاً من الهاء والميم في " لهم "، والعامِلُ فيها معنى الاستقرار ".
قال القرطبي :" ويجوز في غير القرآن نصب " خالدين " على الحال ".
و " الخلود " : المكث الطويل، وهل يُطْلَقُ على ما لا نهاية له بطريق الحقيقة أو المجاز ؟ قولان.
قالت المعتزلة :" الخلد " : هو الثباتُ اللاَّزم، والبقاء الدائمُ الذي لا يقطع، واحْتَجُّوا بالآية، وبقوله :﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء : ٣٤] فنفى الخلد عن البَشَرِ مع أنَّه - تعالى - أعطى بعضهم العمر الطويل، والمنفيّ غير المثبت، فالخلدُ هو البقاءُ الدَّائمُ ؛ وبقول امرئ القيس :[الطويل] ٣٢١ - وَهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعيدٌ مُخَلَّدٌ
قَلِيلُ الهُمُومِ ما يَبِيتُ بأَوْجَالِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥
قال ابن الخطيب : وقال أصحابنا : الخلدُ هو الثّباتُ الطويل، سواء دام أو لم يَدُم ؛ واستدلُّوا بقوله تعالى :﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ [التوبة : ١٠٠] ولو كان التأبيد داخلاً في مفهوم الخلد، لكان ذلك تكرُّراً، واستدلّوا أيضاً بالعرفِ ؛ يقال : حَبَسَ فلانٌ فُلاَناً حَبْساً مُخَلَّداً، ويكتبُ في الأوقاف : وقَفَ فلانٌ وَقْفاً مُخَلَّداً.
وقال الآخرون :" العقلُ يَدُلُّ على دوامه ؛ لأنه لو لم يجب الدوام، لجوّزوا انقطاعه، فكان خوف الانقطاع ينغص عليهم تلك النعمة، لأنَّ النِّعْمَةَ كُلَّمَا كانت أعظم كان خوفها انقطاعها أعظم وقعاً في القَلْبِ، وهذا يقتضي ألا ينفك أهل الثواب [ألبتة] من الغم والحسرةِ، وقد يجابُ عنه بأنَّهم عرفوا ذلك بقرينة قوله :" أبداً ".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥