جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٢
الولوج : الدخول، والإيلاج : الإدخالُ - ومعنى الآية على ذلك.
وقول من قال : معناه النقص فإنما أراد اللازم ؛ لأنه - تبارك وتعالى - إذا أدخل من هذا في هذا فقد نقص المأخوذ منه المُدْخَل في ذلك الآخر.
وزعم بعضهم أن تولج بمعنى ترفع، وأن " في " بمعنى " على " وليس بشيءٍ.
وقيل : المعنى : أنه - تعالى - يأتي بالليل عقيب النهار -، فيُلْبس الدنيا ظُلْمَتَه - بعد أن كان فيها ضوءُ النهارِ - ثم يأتي بالنهار عقيب الليل، فيُلْبس الدنيا ضَوْءَه، فكأن المراد من إيلاج أحدهما في الآخر إيجاد كل واحد منهما عقيب الآخر.
قال ابن الخطيب :" والقول بأن معناه النقص أقرب إلى اللفظ ؛ لأنه إذا كان النهار طويلاً، فجعل ما نقص منه زيادةٍ في الليل، كان ما نقص منه زيادة في الآخر ".
قوله :﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ اختلف القراء في لفظة " الْمَيِّتِ " فقرأ ابنُ كثير وأبو عَمْرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم لفظ " الْمَيْتِ " من غير تاء تأنيث - مُخَفَّفاً، في جميع القرآن، سواء وصف به الحيوان نحو :﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ [آل عمران : ٢٧] أو الجماد نحو :﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ [فاطر : ٩] - مُنَكَّراً أو معرفاً كما تقدم ذكره - إلا قوله تعالى :﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر : ٣٠]، وقوله :﴿وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم : ١٧] - في إبراهيم - مما لم يمت بعد، فإن الكل ثقلوه، وكذلك لفظ " الميتة " في قوله :﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ [يس : ٣٣] دون الميتة المذكورة مع الدم - فإن تلك لم يشدِّدْها إلا بعضُ قُرَّاء الشواذ - وكذلك قوله :﴿وَإِن يَكُن مَّيْتَةً﴾ [الأنعام : ١٣٩]، وقوله :﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ [الزخرف : ١١]، وقوله :﴿إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَة﴾ [الأنعام : ١٤٥] فإنها مخَفَّفاتٌ عند الجميع، وثَقّل نافعٌ جميعَ ذلك، والأخوان وحفص - عن نافع - وافقوا ابن كثير ومن معه في الأنعام في قوله :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاه﴾ [الأنعام : ١٢٢]، وفي الحجرات :﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتا﴾ [الحجرات : ١٢]، وفي يس :﴿الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ [يس : ٣٣]، ووافقوا نافعاً فيما عدا ذلك، فجمعوا بين اللغتين ؛ إيذاناً بأن كلاًّ من القراءتين صحيح، وهما بمعنًى ؛ لأن " فَيْعِل " يجوز تخفيفه في المعتل بحَذْف إحْدى ياءَيْه، فيقال : هَيْن وهيِّن، لَيْن وليِّن، ميْت وميِّت، وقد جمع
١٣٣
الشاعر بين اللغتين في قوله :[الخفيف] ١٣٩١ - لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ
إنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٢
إنَّمَا الْمَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيباً
كَاسِفاً بِالُهُ قَليلَ الرَّجَاءِ
وزعم بعضهم أن " ميتاً " بالتخفيف - لمن وقع به الموت، وأن المشدّد يُستعمَل فيمن مات ومن لم يَمُتْ، كقولهً - تعالى - :﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر : ٣٠].
وقسم لا خلاف في تخفيفه - وهو ما تقدم في قوله :﴿الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ ﴿وَإِن يَكُن مَّيْتَةً﴾ [الأنعام : ١٣٩] ﴿إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَة﴾، وقوله :﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ [الزخرف : ١١].
وقسم فيه الخلاف - وهو ما عدا ذلك - وتقدم تفصيله وقد تقدم أيضاً أن أصل " ميِّت " مَيْوِت، فأدغم، وفي وزنه خلاف، هل وزنه " فَيْعِل " - وهو مذهب البصريين - أو " فَعْيِل " - وهو مذهب الكوفيين - وأصله مَوْيِتٌ، قالوا : لأن فَيْعِلاً مفقود في الصحيح ؛ فالمعتل أولى أن لا يوجد فيه، وأجاب البصريون عن قولهم : لا نظير له في الصحيح بأن قُضَاة - في جميع قاضٍ - لا نظير له في الصحيح، ويدل على عَدم التلازم " قُضاة " جمع قاضٍ وفي " قضاة " خلاف طويل ليس هذا موضعه.
واعترض عليهم البصريون بأنه لو كان وزنه " فَعْيِلاً " لوجب أن يصح، كما صحت نظائره من ذوات الواو نحو : طويل، وعويل، وقويم، فحيث اعتل بالقلب والإدغام امتنع أن يُدَّعى أن أصله " فَعْيِل " لمخالفة نظائره، وهو ردٌّ حسنٌ.
فصل قال ابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة : يُخْرِجُ الحيوانَ من النطفة -
١٣٤