وهي ميتة - والطير من البيضة، وبالعكس.
وقال الحسنُ وعطاء : يُخْرِج المؤمن من الكافر - كإبراهيم من آزر - والكافر من المؤمن - مثل كنعان من نوح.
وقال الزَّجَّاج : يُخْرِج النبات الغضَّ الطريَّ من الحب اليابس، ويخرج الحب اليابس من النبات، قال القفّال :" والكلمة محتملة للكل.
أما الحيوان والنطفة فقال تعالى :﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾ [البقرة : ٢٨].
والكافر والمؤمن فقال تعالى :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام : ١٢٢]، أي : كافراً فهديناه ".
قال القرطبيُّ : روى معمر عن الزهريِّ أن النبي ﷺ دخل على نسائه، فإذا بامرأة حسنة النعمة، قال : مَنْ هذه ؟ قلن : إحدى خالاتك، قال : ومَنْ هِي ؟ قلن : خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، فقال رسول الله ﷺ :" سبحان الذي يخرج الحي من الميت ".
وكانت امرأة صالحة، وكان أبوها كافراً.
وأما النبات والحب فقال تعالى :﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [فاطر : ٩].
قوله :﴿وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ يجوز أن تكون الباء للحال من الفاعل، أي : ترزقه وأنت لم تحاسبه، أي : لم تُضَيِّقْ عليه، أو من المفعول، أي : غير مُضَيِّقٍ عليه وقد تقدم الكلام على مثل هذا مشبعاً في قوله تعالى في البقرة :﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
واشتملت هذه الآيةُ على أنواع من البديع : منها : التجنيس المماثل في قوله تعالى :﴿مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ﴾.
١٣٥
ومنها : الطباق، وهو الجمع بين متضادين أو شبههما - في قوله :" تُؤتي " و تَنْزعُ " وتعزُّ وتُذِلُّ وفي قوله :﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ أي : والشَّرُّ - عند بعضهم -، وفي قوله :" اللَّيْل " و " النَّهَار " و " الحيّ " و " الميّت ".
ومنها رَدُّ الأعجازِ على الصدورِ، والصدورِ على الأعجاز في قوله :﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الْلَّيْلِ﴾، وفي قوله :﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ ونحوه عادات الشاذات شاذات العاداتِ.
وتضمنت من المعاني التوكيد بإيقاع الظاهر موقع المُضْمَر في قوله :﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ﴾ وفي تجوُّزه بإيقاع الحرف مكان ما هو بمعناه، والحذف لفهم المعنى.
فصل قال أبو العبَّاس المقرئ : ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجهٍ : الأول : بمعنى التعبِ، قال تعالى :﴿وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
الثاني : بمعنى العدد، كقوله :﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر : ١٠] أي : بغير عَددٍ.
الثالث : بمعنى المطالبة، قال تعالى :﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص : ٣٩] [أي : بغير مطالبة.
فصل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :" إنَّ فاتحةَ الكتابِ، وآية الكرسي، وآيتين من آل عمرانَ - وهما ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ [آل عمران : ١٨ - ١٩]، ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ مُعلَّقاتٌ، ما بينهُنَّ وبَيْنَ اللهِ حجابٌ، قُلْنَ : يا ربِّ، تُهْبِطُنا إلى أرْضك، وإلى مَنْ يَعْصِيك ؟ قال الله - عز وجل - : إنِّي حَلَفْتُ لا يقرؤكُنَّ أحدٌ من عبادي دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ إلا جَعَلْتُ الجنةَ مثواهُ - على ما كان منه - ولأسْكَنْتُه حَظيرةَ القدس، ولنظرتُ إليه بعين مكنونة كلَّ يَوْم سَبْعِينَ مرةً، ولقضيتُ له كلَّ يومٍ سبعين حاجةً أدناها المغفرة - ولأعذته من كلِّ عدوٍّ وحاسدٍ، ونصرتُه منهم ".
١٣٦
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٢


الصفحة التالية
Icon