ضميرٌ عائدٌ على " نَفْس " المتصلة بـ " يَوْمَ " لأنها في جملة أضِيفَ الظرفُ إلى تلك الجملةِ، والظرف منصوب بـ طتَوَدُّ "، والتقدير : يوم وُجدان كل نفس خيرها وشرها مُحْضَرَيْنِ تَوَدُّ كذا.
احتج الجمهور على الجواز بالسماع.
وهو قول الشاعر :[الخفيف] ١٤٠٠ - أجَلَ الْمَرْءِ يَسْتَحِثُّ وَلاَ يَدْ
ري إذَا يَبْتَغِي حًصُولَ الأمَانِي
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٧
ففاعل " يستحثَ " ضمير عائد على " المرء " المتصل بـ " أجل " المنصوب بـ " يستحث ".
واحتج المانعون بأن المعمول فضلة، يجوز الاستغناء عنه، وعَوْد الضمير عليه في هذه المسائل يقتضي لزوم ذكره، فيتنافى هذان السببان، ولذلك أجمع على منع زيداً ضرب، وزيداً ظن قائماً، أي : ضرب نفسه، وظنها، وهو دليلٌ واضح للمانع لولا ما يرده من السماع كالبيت المتقدم وفي الفرق عُسْر بين : غلامَ زَيدٍ ضَرَبَ، وبين : زيداً ضَرَبَ، حيث جاز الأول، وامتنع الثاني، بمقتضى العلة المذكورة.
قوله :" تجد " يجوز أن تكون [المتعدية لواحد بمعنى " تصيب "، ويكون " محضراً " على هذا منصوباً على الحال، وهذا هو الظاهر، ويجوز أن تكون علمية]، فتتعدى لاثنين، أولهما " مَا عَمِلَتْ "، والثاني " مُحْضَراً " وليس بالقويّ في المعنى، و " ما " يجوز فيها وجهان : أظهرهما : أنها بمعنى " الذي " فالعائد - على هذا - مقدَّر، أي : ما عملته، وقوله :﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ حال، إما من الموصول، وإما من عائده، ويجوز أن تكون " مِنْ " لبيان الجنسِ.
ويجوز أن تكون " ما " مصدرية، ويكون المصدر - حينئذ - واقعاً موقع مفعول، تقديره : يوم تجد كلُّ نفس عملها - أي : معمولها - فلا عائد حينئذ [عند الجمهور].
قوله :﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سُواءٍ تَوَدُّ﴾ يجوز في " ما " هذه أن تكون منسوقة على " ما " التي قبلها بالاعتبارين المذكورَيْن فيها - أي : وتجد الذي عملته، أو وتجد عملها - أي : معمولها - من سوء.
فإن جعلنا " تَجِدُ " متعدياً لاثنين، فالثاني محذوف، أي : وتجد الذي عملته من سوء محضراً، أو وتجد عملها مُحْضَراً، نحو علمت زيداً ذاهباً وبكراً - أي : وبكراً ذاهباً - فحذفت مفعوله الثاني ؛ للدلالة عليه بذكره مع الأول.
وإن جعلناها متعدية لواحد، فالحال من الموصول أيضاً - محذوفة، أي : تجده محضراً - اي : في هذه الحال - وهذا كقولك : أكرمت زيداً ضاحكاً وعمراً - أي : وعمراً ضاحكاً - حذفت حال الثاني ؛
١٤٩
لدلالة حال الأول عليه -، وعلى هذا فيكون في الجملة من قوله :" تَوَدُّ " وجهان : أحدهما : أن تكون في محل نصب على الحال من فاعل " عَمِلَتْ "، أي : وما عملته حال كونها وَادَّةً، اي : متمنِّيًَ البعد من السوءِ.
والثاني : أن تكون مستأنفةً، أخبر الله تعالى عنها بذلك، وعلى هذا لا تكونُ الآية دليلاً على القطع بوعيد المذنبين.
ووضع الكرم، واللطف هذا ؛ لأنه نَصَّ في جانب الثوابِ على كونه مُحْضَراً، وأما في جانب العقاب فلم ينصّ على الحضورِ، بل ذكر أنهم يودون الفرار منه، والبعد عنه، وذلك بَيِّنٌ على أن جانب الوعد أولى بالوقوع من جانب الوعيدِ.
ويجوز أن تكون " ما " مرفوعة بالابتداء، والخبر الجملة في قوله :" تَوَدُّ "، أي : والذي عملته وعملها تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً.
والضمير في " بَيْنَهُ " فيه وجهان : أحدهما - وهو الظاهر - عوده على " مَا عَمِلَتْ "، وأعاده الزمخشري على " الْيَوْم ".
قال أبو حيّان :" وأبعد الزمخشري في عوده على " اليوم " ؛ لأن أحد القسمين اللذين أحْضِروا له في ذلك اليوم هو الخير الذي عمله، ولا يطلب تباعد وقت إحضار الخير، إلا بتجوُّز إذا كان يشتمل على الخير والشر، فتود تباعده ؛ لتسلم من الشرِّ، ودعه لا يحصل له الخير.
والأولى عوده على ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سُواءٍ﴾ ؛ لأنه أقربُ مذكورٍ ؛ ولأن المعنى أن السوء تَتَمَنَّى في ذلك اليوم التباعُدَ منه ".
فإن قيل : هل يجوز أن تكون " ما " هذه شرطية ؟ فالجواب : أن الزمخشريَّ، وابن عطية مَنَعَا من ذلك، وَجَعَلا علة المنع عدم جزم الفعل الواقع جواباً، وهو " تَوَدُّ ".
قال شهاب الدينِ :" وهذا ليس بشيءٍ ؛ لأنهم نَصُّوا على أنه إذا وقع فعلُ الشرطِ ماضياً، والجزاء مضارعاً جاز في ذلك المضارع وجهان - الجزم والرفع - وقد سُمِعَا من لسان العرب، ومنه بيت زُهَيْر :[البسيط] ١٤٠١ - وَإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألةٍ
يَقُولُ : لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرمُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٧
١٥٠


الصفحة التالية
Icon