وهذا الموضع يشبه جوابَ الشرط، لأن " كُلَّمَا " تشبه الشرط في اقتضائها الجواب.
قال شهاب الدين : وهذا - الذي قاله - فيه نظر من حيث إنه تخيَّل أن قوله تعالى :﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ أن جوابَ الشرط هو نفس ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ حُذِفَتْ منه الفاء، وليس كذلك، بل جواب الشرط محذوف، و - ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ جواب قسم مقدر قبل الشرط وقد تقدم تحقيق هذه المسألة، وليس هذا مما حُذِفَتْ منه فاء الجزاء ألبتة، وكيف يَدَّعِي ذلك، ويُشَبِّهه بالبيت المذكور، وهو لا يجوز إلا في ضرورة ؟ ثم الذي يظهر أن الجملةَ من قوله :" وَجَدَ " في محل نصب على الحال من فاعل " دَخَلَ " ويكون جواب " كُلَّمَا " هو نفس " قَالَ " والتقدير : كلما دخل عليها زكريا المحراب واجداً عندَها الرزق.
قال : وهذا بَيِّن.
ونكر " رِزْقاً " تعظيماً، أو ليدل به على نوع " ما ".
قوله :﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ " أنى " خبر مقدم، و " هَذَا " مبتدأ مؤخر ومعنى أنى هذا : من أين ؟ كذا فسَّره أبو عبيدة.
قيل : ويجوز أن يكون سؤالاً عن الكيفية، أي : كيف تَهَيأ لكِ هذا ؟ قال الكميت :[المنسرح] ١٤٢٥ - أنَّى وَمِنْ أيْنَ هَزَّكَ الطَّرَبُ
مِنْ حَيْثُ لاَ صَبْوةٌ وَلاَ رِيَبُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٧
وجوَّز أبو البقاء في " أنَّى " أن ينتصب على الظرف بالاستقرار الذي في " ذلك ".
و " لك " رافع لـ " هذا " يعني بالفاعلية.
ولا حاجة إلى ذلك، وتقدم الكلام على " أنى " في " البقرة ".
١٨٤
فصل قال الرَّبيع بن أنس : إن زكريا كان إذا خرج من عندها غلق عليها سبعةَ أبوابٍ، فإذا دخل عليها غُرفتها وجد عندها رزقاً - أي : فاكهة في غير حينها - فاكهة الصَّيْفِ في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فيقول يا مريمُ، أنى لك هذا ؟ قال ابو عبيدة : معناه من أين لك هذا، وأنكر بعضهم عليه وقال : معناه من أي جهة لك هذا ؛ لأن أنّى للسؤال عن الجهة، وأين للسؤال عن المكان.
فصل احتجوا على صحة القول بكرامات الأولياء بهذه الآية ؛ فإنَّ حصول الرزق عندها إمَّا أن يكون خارقاً للعادة أو لا يكون، فإن كان غيرَ خارقٍ للعادة، فذلك باطلٌ من خمسة أوْجُهٍ : الأول : أنه على هذا التقدير لا يكون ذلك الرزقُ عند مريم دليلاً على عُلُوِّ شأنِهَا، وامتيازها عن سائر الناس بتلك الخاصِّيَّةِ، وهو المعنى المراد من الآية.
الثاني : قوله ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ [آل عمران : ٣٨] والقرآن دلَّ على أنه كان آيساص من الولد ؛ بسبب شيخوخته وشيخوخة زوجته، فلما رأى خَرْقَ العادة في حق مريمَ طمع في حصول الولد، فيستقيم قوله ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾.
ولو كان الذي شاهده في حق مريم غيرَ خارق لم تكن مشاهدةُ ذلك سبباص لطمعه في انخراق العادة له بحصول الولد من المرأة الشيخة
١٨٥


الصفحة التالية
Icon