قال تعالى - حكاية عن إبراهيم - :﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ [الشعراء : ٨٤].
وقال تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان : ٧٤] ودعا النبي ﷺ لأنس فقال :" اللهُمَّ أكثر مالَه وولَده، وبَارِك لَهُ فِيمَا أعْطَيْتَه " وقال ﷺ :" تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الوَدُودَ ؛ فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأمَمَ يَوْمَ الْقِيَامةِ " فدلَّ على أن طلب الولَد مندوبٌ إليه ؛ لِما يُرْجَى من نفعه في الدنيا والآخرة، وقال ﷺ :" إذَا مَاتَ أحَدُكُم انْقَطَع عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ " فذكر " أو ولَدٌ صَالح يَدْعُو لَهُ ".
فصل ويجب على الإنسان أن يتضرَّع إلى الله - تعالى - في هداية زوجته وولده بالتوفيق، والهداية، والصَّلاح، والعَفَاف، وأن يكونا معينَيْنِ له على دينه ودُنياه، حتى تَعْظُم منفعتُهما قال زكريا :﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾ [مريم : ٦]، وقال :﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ وقال تعالى :﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان : ٧٤].
قوله :﴿فَنَادَتْهُ الْمَلا اائِكَةُ﴾ قرأ الأخوان " فَنَادَاهُ المَلاَئِكَةُ " - من غير تأنيث - والباقون
١٩٠
" فَنَادَتْهُ " بتاء التأنيث - باعتبار الجمع المُكَسَّر، فيجوز في الفعل المسند إليه التذكير باعتبار الجمع، والتأنيث باعتبار الجماعة، ولتأنيث لفظ " الملائكة " مع أن المذكور إذا تقدَّم فعلُهم - وهم جماعة - كان التأنيث فيه أحسن ؛ كقوله تعالى :﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ﴾ [الحجرات : ١٤].
ومثل هذا ﴿إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلا اائِكَةُ﴾ [الأنفال : ٥٠] تُقْرأ بالتاء والياء، وكذا قوله :﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ﴾ [المعارج : ٤].
قال الزجاج : يلحقها التأنيث للفظ الجماعة، ويجوز أن يُعَبَّر عنها بلفظ التذكير ؛ لأنه - تعالى جمع الملائكة، وهكذا قوله :﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ﴾ [يوسف : ٣٠].
وإنما حَسُنَ الحذفُ - هنا - للفصل بين الفعل وفاعله.
وقد تجرأ بعضُهم على قراءة العامة، فقال :" أكره التأنيثَ ؛ لما فيه من موافقة دَعْوَى الجاهلية ؛ لأن الجاهلية زعمت أن الملائكة إناث ".
روى إبراهيم قال : كان عبد الله بن مسعود يُذَكِّر الملائكةَ في كُلِّ القرآنِ.
قال أبو عُبَيْد :" نراه اختار ذلك ؛ خلافاً على المشركين ؛ لأنهم قالوا : الملائكة بناتُ اللهِ ".
وروى الشعبيُّ أن ابن مسعود قال :" إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً ".
وتجرأ أبو البقاء على قراءة الأخوين، فقال : وكره قوم قراءة التأنيث لموافقة الجاهلية، ولذلك قرأ " فناداه " بغير تاء - والقراءة غير جيِّدة ؛ لأن الملائكة جمع، وما اعتلوا ليس بشيءٍ ؛ لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله :﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يا مَرْيَمُ﴾ [آل عمران : ٤٢].
وهذان القولان - الصادران من أبي البقاء وغيره - ليسا بجيِّدَيْن ؛ لأنهما قراءتان متواترتان، فلا ينبغي أن ترد إحداهما ألبتة.
والأخوان على أصلهما من غمالة " فَنَادَاهُ ".
والرسم يحتمل القراءتين معاً - أعني : التذكير والتأنيث والجمهور على أن الملائكة المراد بهم واحد - وهو جبريل.
قال الزَّجَّاج : أتاه النداء من هذا الجنس الذين هم الملائكة، كقولك : فلان يركب السُّفُنَ - أي : هذا الجنس كقوله تعالى :﴿يُنَزِّلُ الْمَلا اائِكَةَ﴾ [النحل : ٢] يعني جبريل " بِالرُّوحِ " يعني الوحي.
ومثله قوله :﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ [آل عمران : ١٧٣] وهو نعيم بن مسعود، وقوله :﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ﴾ [آل عمران : ١٧٣] يعني أبا سفيان.
ولما كان جبريل - عليه السلام - رئيسَ الملائكة أخبر عنه إخبار الجماعة ؛ تعظيماً له.
قيل : الرئيس لا بدَّ له من أتباع، فلذلك أخبر عنه وعنهم، وإن كان النداء قد صدر منه - قاله الفضل بن سلمة - ويؤيد كون المنادي جبريل وحده قراءةُ عبد الله - وكذا في مصحفه - فناداه جبريل.
١٩١


الصفحة التالية
Icon