وقد أجمع على مواضع من هذه اللغات نحو " فَبَشِّرْهُمْ ".
﴿وَأَبْشِرُوا﴾ [فصلت : ٣٠]، ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ﴾ [هود : ٧١].
قالوا :﴿بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ [الحجر : ٥٥].
فلم يرد الخلاف إلا في المضارع دونَ الماضي.
وقد تقدم معنى البشارة واشتقاقها في سورة البقرة.
قوله :﴿بِيَحْيَى ﴾ متعلق بـ ﴿يُبَشِّرُكَ﴾ ولا بد من حذف مضاف، أي : بولادة يحيى ؛ لأن الذوات ليست متعلقة للبشارة، ولا بد في الكلام من حذف معمول قاد إليه السياقُ، تقديره : بولادة يحيى منك ومن امرأتك، دلَّ على ذلك قرينةُ الحالِ وسياقُ الكلامِ.
و " يحيى " فيه قولان : أحدهما - وهو المشهور عند المفسِّرين - : أنه منقول من الفعل المضارع وقد سَمُّوا بالأفعالِ كثيراً، نحو يعيش ويعمر ويموت.
قال قتادة :" سُمِّي ﴿بيَحْيَى ﴾ لأن الله أحياه بالإيمان ".
وقال الزَّجَّاج :" حيي بالعلم " وعلى هذا فهو ممنوع من الصرف للعلميَّة ووزن الفعل، نحو يزيد ويشكر وتغلب.
والثاني : أنه أعجميّ لا اشتقاق له - وهو الظاهر - فامتناعه للعلمية والعُجْمَة الشخصية.
وعلى كلا القولين يُجْمَع على " يَحْيَوْنَ " بحَذْف الألف وبقاء الفتحةِ تدلّ عليها.
وقال الكوفيون : إن كان عربيَّا منقولاً من الفعل فالأمر كذلك، وإن كان أعجمياً ضُمَّ ما قبل الواو، وكسر ما قبل الياء ؛ إجراءً له مُجْرَى المنقوص، نحو جاء القاضُون، ورأيت القاضِين، نقل هذا أبو حيّان نهم.
ونقل ابنُ مالك عنم أن الاسم إن كانت ألفه زائدةً ضُمَّ ما قبلَ الواو، وكُسِرَ ما قبلَ الياءِ، نحو : جاء حبلون ورأيت حُبلِين، وإن كانت أصليةً نحو دُجَوْن وجب فتح ما قبل الحرفين.
١٩٥
قالوا : فإن كان أعجمياً جاز الوجهان ؛ لاحتمال أن تكون ألفهُ أصليةً أو زائدة ؛ إذْ لا يُعْرَف له اشتقاق.
ويصغر يحيى على " يُحَيَّى " وأنشد للشيخ أبي عمرو بن الحاجب في ذلك :[مجزوء الرمل] ١٤٣٣ - أيُّها الْعَالِمُ بِالتَّصْرِ
يفِ لا زِلْتَ تُحَيَّا
قَالَ قَوْمٌ : إنَّ يَحْيَى
إنْ يُصَغَّرْ فَيُحَيَّا
وَأبَى قَوْمٌ فَقَالُوا
لَيْسَ هَذَا الرَّأيُ حَيَّا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٧
إنَّمَا كَانَ صَوَاباً
لَوْ أجَابُوا بِيُحَيَّا
كَيْفَ قَدْ رَدُّوا يُحَيَّا
أمْ تَرَى وَجْهاً يُحَيَّا ؟
وهذا جارٍ مَجْرَى الألْغاز في تصغير هذه اللفظة، وذلك يختلف بالتصريف والعمل، وهو أنه لما اجتمع في آخر الاسم المصَغَّر ثلاثُ ياءاتٍ جرى فيه خلافٌ بين النحاة بالنسبةِ إلى الحَذْف والإثبات، وأصل المسألة تصغير " أحْوَى " ويُنْسَب إلى " يَحْيَى " " يَحْيَى " - بحذف الألف، تشبيهاً لها بالزائد - نحو حُبْلِيّ - في حُبْلَى - و " يَحْيَوِيّ " - بالقلب ؛ لأنها أصل كألف مَلْهَوِيّ، أو شبيهة بالأصل إن كان أعجمياً - و " يَحْيَاوِيّ " - بزيادة ألف قبل قَلْبِ ألفِهِ واواً.
وقرأ حمزة والكسائي " يَحْيَى " بالإمالة ؛ لأجل الياء والباقون بالتفخيم.
قال ابن عباس :" سُمِّيَ " يَحْيَى ؛ لأن اللهَ أحيا به عَقْرَ أمِّه.
وقال قتادة : لأن الله أحيا قلبه بالإيمان.
وقيل : لأن الله أحياه بالطاعة حتى إنه لم يَعْصِ اللهَ، ولم يَهِمّ بمعصيةٍ.
قال القرطبي :" كان اسمه - في الكتاب الأول - حَيَا، وكان اسم سارة - زوجة إبراهيم - يسارة، وتفسيره بالعربية : لا تلد، فلما بُشِّرَت بإسحاق قيل لها : سارة، سمَّاها بذلك جبريل - عليه السلام - فقالت : يا إبراهيم، لم نقص من اسمي حرف ؟ فقال إبراهيم ذلك لجبريل - عليه السلام - فقال : إن ذلك حرف زيد في اسمِ ابنٍ لها من أفضل الأنبياء، اسمه حيا، فسُمِّي بيَحْيَى ".
قوله :﴿مُصَدِّقًا﴾ حال من " يَحْيَى " وهذه حال مقدرة.
١٩٦
وقال ابن عطية :" هي حال مؤكدة بحسب حال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ".
و " بِكلِمةٍ " متعلق بـ " مُصَدِّقاً ".
وقرأ أبو السّمال " بِكِلْمَةٍ " - بكسر الكاف وسكون اللام - وهي لغة صحيحة ؛ وذلك أنه أتبع الفاء للعين في حركتها، فالتقى بذلك كسرتان، فحذف الثانيةَ ؛ لأجل الاستثقال.
فصل قيل : المراد بها الجمع ؛ إذ المقصود التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله تعالى المُنَزَّلة فعبَّر عن الجمع ببعضه، ومثل هذا قول النبي ﷺ :" أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ " حيثُ قال :[الطويل] ١٤٣٤ - ألا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِل
.................................