وذكر جابر - رضي الله عنه - الحُوَيْدِرَة فقال : لَعَنَ اللهُ كلمته - يعني قصيدته.
وقال الجمهور : الكلمة : هي عيسى عليه السلام.
قال السديُّ : لقيت أمُّ عيسى، أمَّ يَحيى - وهذه حامل بعيسى، وتلك حامل بيحيى - فقالت أم يحيى : أشعَرْتِ أني حُبْلَى ؟ : فقالت : مريم : وأنا - أيضاً - حُبْلَى، قالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله :﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾.
قال القرطبيُّ :" رُوِيَ أنها أحسَّت بجنينها يَخِرّ برأسه إلى ناحية بطن مريم ".
وقال ابن عبّاسٍ : إن يحيى كان أكبر سِنًّا من عيسى بستةِ أشهر.
وقيل : بثلاث سنين، وكان يحيى أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروحه.
وسمي عيسى عليه السلام كلمة.
قيل : لأنه خُلِقَ بكلمة من الله ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ من غير واسطة أب فسمي لهذا كلمة - كما يسمى المخلوق خَلْقاً، والمقدور قُدْرة، والمرجُوُّ رجاءً، والمشتَهَى شهوةً - وهو باب مشهور في اللغة.
وقيل : هو بشارة اللهِ مريم بعيسى - بكلامه على لسان جبريل عليه السَّلام.
وقيل : لأنه تكلم ف يالطفوليَّة، وأتاه الكتاب في زَمَنِ الطفوليَّةِ، فلهذا كان بالغاً مبلغاً عظيماً، فسُمِّيَ كلمة كما يقال : فلان جود وإقبال - إذا كان كاملاً فيهما.
وقيل : لما وردت البشارةُ به في كتب الأنبياء قبله، فلما جاء قيل : هذا هو تلك الكلمة - كما إذا أخبر عن حدوث أمر، فإذا حَدَث ذلك الأمر، قال : قد جاء قولي، وجاء كلامي - أي : ما كنت أقول، وأتكلم به - ونظيره قوله تعالى :﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ااْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر : ٦] وقوله :﴿وَلَـاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر : ٧١].
وقيل : لأن الإنسان قد يُسَمَّى بـ " فضل الله " و " لطف الله " وكذلك عيسى كان اسمه كلمة الله وروح الله.
واعلم أن كلمة الله - تعالى - كلامه، وكلامه - على قول أهل السنة - صفةٌ قديمةٌ قائمةٌ بذاته وفي قول المعتزلة : صفة يخلقها الله في جسم مخصوص، دالة بالوضع على معاني مخصوصة.
وضروريّ حاصل بأن الصفة القديمة، أو الأصوات التي هي أعراض غير باقية يستحيل أن يقال : إنها ذات عيسى، ولما كان ذلك باطلاً في بداهة العقول، لم يَبْقَ إلا التأويل.
قوله :﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ في محل جر ؛ صفة لـ " كَلِمَةٍ " فيتعلق بمحذوف، أي : بكلمة كائنة من الله ﴿وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً﴾ أحوال أيضاً - كمصَدِّقاً.
والسيد : فَيْعِل، والأصل سَيْود، ففُعِلَ به ما فعل بـ " ميت "، كما تقدم، واشتقاقه من سَادَ، يَسُودُ، سِيَادَةً، وسُؤدُداً - أي فاق نظراءه في الشرف والسؤدد.
ومنه قوله :[الرجز] ١٤٣٥ - نَفْسٌ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَاما
وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ والإقْدَامَا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٧
وَصَيَّرَتْهُ بطلاً هُمَامَا وجمعه على " فَعَلَة " شاذ قياساً، فصيح استعمالاً ؛ قال تعالى :﴿إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا﴾ [الأحزاب : ٦٧].
وقال بعضهم : سُمي سيِّداً ؛ لأنه يسود سَوَاد الناس أي : مُعْظَمهم وجُلَّهم.
والأصل سَوَدَة، و " فَعَلَة " لِـ " فاعِل " نحو كافِر وكفرة، وفاجِر وفَجَرَة، وبارّ وبررة.
وقال ابن عباس : السَّيِّد : الحليم.
١٩٧
قال الجبائي : إنه كان سيداً للمؤمنين، ورئيساً لهم في الدين - أعني : في العلم والحلم والعبادة و الورع.
قال مجاهدٌ : السَّيِّد : الكريم على الله تعالى.
وقال ابن المُسَيِّبِ : السيِّد : الفقيه العالم.
وقال عكرمة : السيد : الذي لا يغلبه الغضبُ.
وقيل : هو الرئيس الذي يتبع، ويُنتَهَى إلى قولهِ.
وقال المفضل : السيد في الدين.
وقال الضحاك : الحسن الخلق.
وقال سعيد بن جبير : هو الذي يُطيع ربَّه.
ويقول عن الضَّحَّاكِ : السيد : التقِيّ.
وقال سفيان : الذي لا يحسد.
وقيل : هو الذي يفوق قومَه في جميع خصال الخيرِ.
وقيل : هو القانع بما قسم الله له.
وقيل : هو السَّخِيّ.
قال رسول الله ﷺ " مَنْ سَيدُكُمْ يَا بَنِي سَلمةَ " ؟ قالوا : جَد بن قَيْس على بُخْلِه، فقال :" وأي دواء أدوى من البخل، لكن سَيِّدَكم عمرو بن الجموح " وفي الآية بذلك دليل على جواز تسمية الإنسان سيداً كما تجوز تسميته عزيزاً وكريماً.
وقال ﷺ لبني قريظة :" قوموا إلى سيِّدكم ".
١٩٨
وقال - في الحسن - :" إن ابني هذا سَيِّدٌ، فلعلَّ اللهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْن عَظِيْمَتين من المسلمين ".
قال الكسائي : السيّد من المَعْز :[الْمُسِّن].
وفي الحديث :" الثَّنِيُّ من الضَّأن خير من السَّيِّد مِن الْمَعْزِ الْمُسِنّ ".
وقال الشاعر :[الطويل] ١٤٣٦ - سَوَاءٌ عَلَيْهِ شَاةُ عَامٍ دَنَت لَهُ
لِيَذْبَحَهَا للِضَّيْفِ أمْ شَاةُ سَيِّد
والحصور : فعول للمبالغة، مُحَوَّل من حاصر، كضروب.
وفي قوله :[الطويل] ١٤٣٧ - ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سِمَانِهَا