يُعْرَف، وإذا لم يتعرَّفْ، فلا يكون نعتاً لمعرفةٍ ؛ لما عرفت فيه تقدم من اشتراط الموافقة تَعْرِيفاً وتنكيراً.
وإِمَّا أنْ يُجْعَلَ بَدَلاً، وهو ضَعيفٌ، لأن البدل بالمشتقاتِ نادِرٌ كما تقدم.
والذي يَنْبَغِي أنْ يُقالَ : إنه نعت على مَعْنَى أنَّ تَقْييدَهُ بالزمانِ غَيْرُ مُعْتَبِرٍ ؛ لأَنَّ الموصوفَ إِذَا عُرِّفَ بِوَصْفٍ كان تقييدُه بزمانٍ غير معتبرٍ، فكان المعنى - والله أعلم - أنه متَّصِفٌ بمالك يوم الدِّين مطلقاً من غير نظر إِلَى مُضِيٍّ وَلاَ حَالٍ، ولاَ اسْتِقْبالٍ، وهذا مَالَ إلَيهِ الزمخشريُّ رحمة الله تعالى.
وإضافَةُ " مَالِكِ " و " مَلِكِ " إلى " يَوْمِ الدِّينِ " مِنْ بَابِ الاتِّساعِ ؛ إذْ متعلّقهما غيرُ اليومِ، والتقديرُ : مَالِكِ الأَمْرِ كُلِّهِ يَوْم الدِّينِ.
ونظيرُ إِضَافَةِ " مَالِكٍ " إلى الظَّرْفِ - هُنَا - نَظِيرُ إِضَافَةِ " طَبَّاخٍ " إلى " ساعات " في قول الشاعر :[الرجز] ٥٣ - رُبَّ ابْنِ عَمِّ لِسُلَيْمَى مُشْمَعِلْ
طَبَّاخِ سَاعَاتِ الكَرَى زَادَ الكَسَلْ
إِلاَّ أَنَّ المَفْعُولَ في البيت مَذْكُورٌ - وهو " زادَ الكَسِلْ "، وف الآية الكريمةِ غيرُ مذكورٍ ؛ للدلاَلةِ علَيه.
١٩٠
ويجوزُ أَنْ يكونَ الكَلاَمُ [على ظاهِرِه] من غيرَ تَقْدِيرِ حَذْفٍ.
ونسْبَةُ " المِلك " والمُلْك " إلى الزمان في حَقِّ اللهِ - تعالى - غَيْرُ مُشْكِلِةٍ، ويُؤيِّدُه ظاهرُ قِرِاءَةِ مَنْ قَرأ :" مَلَكَ يَوْمَ الدّين " فِعْلاً ماضياً، فإن ظاهِرَهَا كونُ " يَوْمَ " مَفْعُولاً به والإضافةُ على مَعْنَى " اللامِ "، لأنَّها الأصل.
ومِنْهم مضنْ جَعلها في هذا النحو على معنى " في " مُسْتَنِداً إلَى ظاهِرِ قَولِهِ تبارك وتعالى :﴿بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ : ٣٣] قال : المعنى " مَكْرٌ في اللَّيْلِ " إذ اللَّيلُ لاَ يُوصَفُ بالمكرِ، إنما يُوصَفُ بِه العُقَلاَءُ، فالمَكْرُ واقِعٌ فيه.
والمشهورُ أَنَّ الإضافَةَ : إِمَّا على معنى " اللامِ " وإما على مَعْنى [مِنْ]، وكونٌُها بمعنى " في " غَيْرُ صَحِيحٍ.
وأَمَّا قولُه تعالى :" مَكْرُ اللَّيْلِ " فلا دَلاَلَةَ فِيه ؛ لأنَّ هذا من بَابِ البَلاَغَةِ، وهو التَّجوزُ في أَنْ جَعَلَ ليلهم ونهارهم ماكِرَيْنِ مبالغةً في كَثْرة وقوعه منهم فيهما ؛ فهو نَظيرُ قَوْلِهِمْ : نَهَارُهُ صَائِم، ولَيْلُهُ قَائِم ؛ وقول الشاعر في ذلك البيت :[البسيط] ٥٤ - أَمَّا النَّهَارُ فَفِي قَيْد وَسِلْسِلَةٍ
وَاللَّيْلِ فِي بَطْنِ مَنْحُوتٍ مِنَ السَّاجِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٤
لما كانت هذه الأشياءُ يكْثُر وقُوعها في هذه الظروفِ، وَصَفُوهَا بها مُبَالغةً في ذلك، وهو مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ في كَلاَمِهِمْ.
و " اليَوْمُ " لُغَةً : القِطْعَةُ مِنَ الزَّمَانِ، أيَِّ زَمَنٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ وَنَهار ؛ قال الله تبارك وتعالى :﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة : ٢٩ و ٣٠] وذلك كنايةٌ عن احتضار الموتى، وهو لا يختَصُّ بِلَيْلٍ ولا نَهَار.
وأما في العُرْف : فهو من طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشمس.
وقال الرَّاغِبُ :" اليوم " يُعَبَّرُ به عن وَقْتِ طُلُوعِ الشمسِ إلى [غُرُوبِها].
وهذا إنَّما ذكرُوهُ في النَّهارِ لا في اليَوم، وجعلوا الفرقَ بينهما ما ذكرتُ، وقد يُطْلَقُ اليوم على السَّاعةِ، قال تبارك وتعالى :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة : ٣]، وربما عُبِّرَ عَنِ الشِّدَّةِ باليومِ، يُقالُ يَوْمٌ أَيَوْمٌ ؛ كما يُقالُ : لَيْلَةٌ لَيْلاَءُ.
ذكره القُرْطُبِيُّ رحمه الله تعالى.
و " الدِّينِ " مضافٌ إِلَيْه أَيْضاً، والمرادُ به - هنا - الجَزَاءُ ؛ ومنهُ قولُ الشاعر :[الهزج] ٥٥ - وَلَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا
نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
١٩١
أي : جَازيْنَاهُمْ كما جَازَوْنَا.
وقال آخَرُ في ذلك :[الكامل] ٥٦ - وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ مُلْكَكَ زَائلٌ
وَاعْلَمْ بَأَنَّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ
ومثله :[المتقارب] ٥٧ - إِذَا مَا رَمَوْنَا رَمَيْنَاهُمُ
وَدِنَّاهُمْ مِثْلَ مَا يَقْرِضُونا
ومثله [الطويل] ٥٨ - حَصَادَكَ يَوْمَاً مَا زَرَعْتَ وإِنَّمَا
يُدانُ [الفَتَى] يَوْماً كَمَا هُوَ دَائِنُ
وقال ابنُ عباسٍ - رضي الله تَعَالَى عنهما - ومُقاتِلٌ والسُُّدَّيِّ :" مَالِكِ يَوْمِ لدِّينِ " : قَاضِي يَوْمِ الحِسَابِ ؛ قال تعالى :﴿ذالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [التوبة : ٣٦].
أي الحسابُ المستقيمُ.
وقال قَتَادَةُ :" الدِّين : الجَزَاءُ ويقعُ على الجزاءِ في الخَيْرِ والشَّرِّ جمِيعاً ".
وقال مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِي :" مَالِكِ يَوْمِ الدِّين، يوم لا ينفعُ فيه إلاََّ الدِّين ".
١٩٢