وقيل : الدين القَهْرُ : يُقالُ : دِنْتُهُ فَدَانَ أي : قَهَرْتُهُ فذلّ.
وقيل : الدينُ الطاعَةُ ؛ ومنه :" وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً "، أيْ : طَاعَةٌ، وله مَعَاٍ أُخَرُ : العادَةُ ؛ كقولِهِ هذا البيت :[الطويل] ٥٩ - كَدِينِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلِهَا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرِّبابِ بمَأْسَلِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٤
أَيْ : كَعَادَتِكِ.
ومثله :[الوافر] ٦٠ - تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي
أَهَذَا دِينُهُ أَبَداً وَدينِي
ودَانَ : عَصَى وأطاعَ : وذَلَّ وعَزَّ، فهو من الأضدَادِ [قاله ثعلب].
والقضاءُ ؛ ومنه قولُه تبارك وتعالى :﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور : ٢]، أَيْ : في قَضَائِهِ وحُكْمِهِ.
والحَالُ ؛ سُئِلَ بعضُ الأعرابِ فقال :" لو كنتُ على دِينٍ غير هذه، لأَجَبْتُكَ "، أَيْ : على حَالَةٍ.
والدَّاءُ ؛ ومنه قولُ الشاعرِ في ذلك :[البسيط]
٦١ - يَا دِينَ قَلبِكَ مِنْ سَلْمَى وَقَدْ دِينَا
ويُقالُ : جِنْتُهُ بفعله أَدِينُه دَيْناً أَدِينُه دَيْناً وَدِيناً - بفتح الدَّال وكَسْرِها في المصدر - أيْ : جَازَيْتُه.
﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران : ٨٥].
ويُقَالُ : دِينُ فُلاَنٌ يُدَانُ إذا حُمِلَ على مَكْروهٍ، ومنه قِيل للعبدِ : مَدِين، ولِلأَمَةِ : مَدِينَة.
وقِيل : هو من دِنْتُهُ : إذا جازيته بطاعته، وجعل بعضُهم " المَدِينَة " مِنْ هذا البابِ قاله الرَّاغِبُ، وسيأتي تحقيقُ هذه اللفظةِ عند ذكرها إِن شاء الله تعالى.
١٩٣
وإنما خُصَّ " يوم الدين " بالذكر مع كونِه مالِكا للأيّام كُلِّها ؛ لأنَّ الأَمْلاَكَ يومئذَ زائِلة، فلا مُلْكَ ولاَ أَمْرَ إِلاَّ لَه ؛ قال الله تعالى :﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَان﴾ [الفرقان : ٢٦]، وقال :﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر : ١٦]، وقال تعالى :﴿وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار : ١٩].
فصل فيمن قرأ بالإدغام هنا قرأ أَبُو عَمْرو - رحمه الله تعالى :- " الرَّحِيم ملك " بإدغام الميمِ في الميمِ، وكذلك يُدْغِمُ كُلُّ حَرْفَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَخْرج واحد، أو [كانا] قرِيبَي المَخْرج، سواءٌ كانَ الحرفُ سَاكِناً أَوْ مُتَحَرِّكاً، إلاُّ أَنْ يَكُونَ الحرفُ الأوَّلُ مُشَدَّداً، أَوْ مُنَوَّناً، أَوْ مَنْقُوصاً أَوْ مَفْتُوحاً، أوْ تَاءَ الخِطَابِ قبلَه ساكِن في غَيْرِ المِثْلَين، فإنه لا يدغمها وإدغامُ المتحرك يَكُونُ في الإدغَامِ الكَبيرِ، وافَقه حَمْزَة من إدغام المتحركِ في قوله تعالى :﴿بَيَّتَ طَآئِفَةٌ﴾ [النساء : ٨١] [الصافات : ١ و ٢ و ٣]، ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً﴾ [الذاريات : ١].
وأَدْغَمَ التاءَ فيما بعدَها من الحُرُوف وافَقَهُ حَمْزَةُ بروايةَ رَجَاء، وخَلَف،
١٩٤
والكِسَائِي [في إدغام الساكن في المتحرك] إِلاَّ في الراءِ عند اللام، والدال عند الجيم، وكذلك لا يُدْغِمُ حَمْزَةُ الدَّالَ عند السين والصاد والزاي، ولا إدغام لسائر القراء إلاّ في أحرف معدودة.
فصل في كلام القدرية والجبرية قال ابنُ الخَطِيب : قالتِ القدريَّةُ : إن كان خَالِقَ أَفْعالِ العبادِ، هو الله - تعالى - امتنع القول بالثواب، والعقاب، والجزاءِ، لأن الثوابَ للرّجل على ما لم يعملْ عَبَث، وعقابه على ما لم يعمل ظُلْمٌ وعلى هَذا التقديرِ، فيبطل كونه مَالِكاً ليوم الدين.
وقالت الجبريةُ : لو لم تَكُنْ أعمالُ العبادِ بتقدير الله وترجيحه، لم يكن مالكاً لها، ولما أَجْمَعَ المسلِمُون على كونه مَالِكاً للعباد، ولأعمالِهم، عَلِمْنَا أَنَّهُ حالقٌ لها مقدرٌ لَهَا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٤
إِيَّاكَ : كلمة ضمير خُصَّت بالإضافةِ إلى المُضْمَر، ويُسْتَعْمل مقدماً على الفعل، وإيَّاكَ أَسْأَلُ ؛ ولا يُسْتَعْمَلُ مؤخراً إلاّ منفصلاً ؛ فيُقال، ما عنيتُ إلاَّ إِيَّاكَ.
وهو مفعولٌ مُقَدَّمٌ على " نعبد " قدِّم للاختصاصِ، وهوَ واجِبُ الانفصالِ.
واخْتَلَفُوا فيه : هَلْ هو مِنْ قَبِيل الأسماءِ الظاهرة أو المضمرة ؟ فالجمهورُ : على أنه مُضْمَرٌ.
وقال الزَّجَّاجُ رحمه الله تعالى : هو اسمٌُ ظاهر.
والقَائِلُون بأَنَّهُ ضميرٌ اخْتَلَفُوا فيه على أربَعةِ أقوالٍ : احدُهما : أنه كلمةُ ضَمِيرٍ.
والثاني : عَلَى أَنَّ " إِيَّا " وَحْدَهُ ضَمِيرٌ، وما بَعْدَهُ اسمٌ مُضَافٌ إليه يبيّن ما يُرادُ به [من تكلّم وغيبة وخطاب].
وثَالِثُها : أَنَّ " إِيَّا " وحده ضميرٌ، وما بعده حُرُوفٌ تبين ما يُرادُ به [من تكلم وغيبة وخطاب].
١٩٥