و " الفسيق " : الدائم الفسق، ويقال في النداء : يا فَاسِق ويا خبيث، يريد يا أيُّها الفاسق ويا أيها الخبيث.
والفسقُ في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعةِ اللهِ عز وجل، فقد يقع على من خرج بعصيان.
واختلف أهل القبلة في أنَّهُ مؤمنٌ أو كافر.
فعند بعضهم أنَّه مؤمن، وعند الخوارج : أنَّه كافرٌ، وعند المعتزلة : أنَّه لا مؤمن ولا كافر.
واحْتَجَّ الخَوَارجُ بقوله تعالى :﴿بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ﴾ [الحجرات : ١١].
وقال :﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة : ٦٧].
وقال :﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات : ٧] وهذه مسألة طويلة مذكورة في علم الكلام.
قوله :" الَّذيِنَ يَنْقُضُون " فيه أربعة وجوه : أحدها : أَن يكون نعتاً لـ " الفاسقين ".
والثاني : أَنَّهُ منصوبٌ على الذَّمِّ.
والثالث : أَنَّه مرفوعٌ بالابتداء، وخبره الجملة من قوله " أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ".
والرابع : أَنَّهُ خبر لمبتدأ محذوف أي : هم الفاسقون.
والعهدُ في كلامهم على معانٍ : منها الوصيَّةُ والضَّمان، والاكتفاء، والأمر.
و " مِنْ بَعْدِ " متعلِّق بـ " ينقضون "، و " من " لابتداء الغاية، وقيل : زائدة، وليس بشيء.
والضميرُ في ميثاقه يجوز أن يعود على العهد، وأن يعود على اسم الله تعالى، فهو على الأوّل مصدرٌ مضاف إلى المفعول، وعلى الثَّاني مضافٌ للفاعل.
و " الميثاقُ " العَهْدُ المؤكَّدُ باليمين مِفْعَال الوثاقةِ والمعاهدةِ، والجمع : المواثيق على الأصل ؛ لن أصل مِيِثَاق : مِوْثَاق، صارت " الواو " ياء ؛ لانكسار ما قبلها وهو مصدرٌ كـ " الميلاد " و " المِيعَاد " بمعنى الولادة، والوعد ؛ وقال ابن عطية : هو اسْمٌ في وضع المصدر ؛ كقوله :[الوافر] ٣٣٩ - أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي
وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةِ الرِّتَاعَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٩
أي : إِعْطَائِكَ، ولا حاجة تدعو إلى ذلك، والمادة تَدُلُّ على الشَّدِّ والرَبْطِ، وجمعه مَوَاثِيق، ومَيَاثِق، أيضاً، ومَيَاثيق ؛ وأنشد ابن الأعرابيِّ :[الطويل] ٣٤٠ - حِمًى لا يَحِلُّ الدَّهْرُ إلاَّ بإِذْنِنَا
وَلاَ نَسْأَلُ الَقْوَامَ عَهْدَ الْمَيَاثِقِ
والمَوْثِق : المِيثَاق والمُواثَقَة والمُعَاهَدَة ؛ ومنه قوله تعالى :﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ﴾ [المائدة : ٧].
فَصْلٌ في النقض النقضُ إفسادُ ما أبرمته من بناءٍ أو حبل أو عهد، والرجوع به إلى الحالة الأولى.
والنقاضة : ما نُقِضَ من حبل الشعر، والمُنَاقضةُ في القولِ : أَنْ يَتَكَلَّمَ بما يناقض معناه، والنَّقيضةُ في الشّعر ما ينقضُ به.
والنَّقض : المَنْقُوض، واختلف النَّاسُ في هذا العَهْدِ، فقيل : هو أذلي أخذه اللهُ على بني آدم - عليه السَّلام - حين استخرجهم من ظهره.
قال المتكلمون :" هذا ساقطٌ " ؛ لأنَّه - تعالى - لا يحتج على العبادِ بعهد وميثاق لا يشعرون به، كما لا يؤاخذهم بالسَّهْوِ والنسيان وقيل : هو وصيَّةُ اللهِ - تعالى - إلى خلقه، وأمرمه إياهم بها أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم من معصيته في كتبه على ألسنة رسله، ونقضهم ذلك ترك العمل به، وقيل : بل نَصبَ الأدلّة على وحدانيته بالسموات، والأرضِ، وسائر الصنعة، وهو بمنزلة العَهْدِ، ونقضهم ترك النَّظَر في ذلك.
وقيل : هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينوا نبوَّة محمد عليه السَّلام، ولا يكتموا أمره، فالآية على هذا في أَهْل الكتاب.
وقاب أبو إسحاق الزَّجَّاج : عهده جَلَّ وعَزَّ ما أخذه على النَّبيين ومَنْ تبعهم، ألاَّ يَكْفُرُوا بالنبي - ﷺ - ودليلُ ذلك :﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ﴾ [آل عمران : ٨١] إلى قوله :﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران : ٨١] أي : عهدي.
قوله :" وَيَقْطَعُونَ " عطف على " يَنْقُضُونَ " فهي صلة أيضاً، و " ما " موصولة، و " أَمَرَ الله به " صلتها وعائدها.
وأجاز أبو البقاء أن تكون نكرةً موصوفةً، ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير عليها إلاَّ عند أبي الحَسَن وابن السراج وهي مفعولة بـ " يَقْطَعُونَ " والقطع معروف، والمصدر - في الرّحم - القطيعة، يقال : قطع رحمه قطيعة فهو رجل قُطَعٌ وقُطَعَةٌ، مثل " هُمَزَة "، وقَطَعْتُ الحبل قَطْعاً، وقطعت النهر قُطُوعاً، وقَطَعَت الطير قُطُوعاً، وقُطَاعاً، وقِطَاعاً إذ خرجت من بَلَدٍ إلى بَلَدٍ.
وأصاب الناسَ قُطْعَةٌ : إذا قلت مياههم، ورجل به قُطْعٌ أي انبهار.
قوله :" مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ " " ما " في موضع نصب بـ " يقطعون " و " أَنْ يُوصلَ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : الجر على البدل من الضمير في " بِهِ " أي ما أمر الله بِوَصْلِهِ ؛ كقول امرئ القيس :[الطويل] ٣٤١ - أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ