الجَفنة والمِخْلب " وعن قتادة قال : علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم تعلم المَلائكة، وسمى كل شيء باسمه، وأنحى منفعة كل شيء إلى جنسه.
قال النَّحَّاس :" وهذا أحسن ما روي ".
وقال الطبري " علمه أسماء الملائكة وذريّته " واختار هذا، ورجّحه بقوله :" ثم عرضهم ".
وقال القتيبي " أسماء ما خلق في الأرض ".
وقيل : أسماء الأجناس والأنواع.
وقال الربيع بن أنس :" أسماء الملائكة ".
وقيل : أسماء ذريّته.
وقيل : أسماء ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
وقيل : صنعة كلّ شيء.
وقال أصحاب التأويل : إن الله - عزّ وَجَلّ - علم آدم جميع اللُّغات، ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد، واختص كل فرقة منهم بِلُغةٍ.
فصل في بيان أن اللغات توقيفية أو اصطلاحية ؟ قال " الأشعري " و " الجبائي " و " الكعبي " : اللُّغات كلها توفيقيةٌ، بمعنى أن الله تعالى خلق علماً ضرورياً بتلك الألفاظ، وتلك المعاني، وبأن تلك الألفاظ موضوعةٌ لتلك المعاني : لقوله تعالى :" وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ".
وقال " أبو هاشم " : إنه لا بد من تقدم لغة اصطلاحية، وأن الوضع لا بد وأن يكون مسبوقاً على الاصطلاح، واحتج بأمور : أحدها : أنه لو حصل العلم الضروري بأنه - تعالى - وضع ذلك اللَّفظ لذلك المَعْنَى لصارت صفةُ الله معلومةً بالضرورة، مع أن ذاته معلومة بالاستدلال، وذلك مُحَال، ولا جائز أن يحصل لغير العاقل، لأنه يبعد في العقول أن يحصل العلم بهذه اللُّغَات مع ما فيها من الحكم العجيبة لغير العاقل، فالقول بالتوقيف فاسد.
وثانيعا : أنه - تعالى - خاطب الملائكة، وذلك يوجب تقدُّم لغة على ذلك التكلم.
وثالثها : أن قوله :" وَعَلَّم آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا " يقتضي إضافة التعليم إلى الأسماء، وذلك يقتضي في تلك الأسماء أنها كانت أسماء قبل ذلك التَّعليم، وإذا كان كذلك كانت اللُّغات حاصلةٌ قبل ذلك التعليم.
ورابعها : أن آدم - عليه الصَّلاة والسلام - لما تَحَدَّى الملائكة بعلم الأسماء، فلا بد وأن تعلم الملائكة كونه صادقاً في تعيين تلك الأسماء لتلك المسميات على ذلك التعليم.
فصل في بيان هل كان آدم نبياً قبل المعصية ؟ قالت المعتزلة : إن علم آدم الأسماء معجزة دالّة على نبوّته - عليه الصلاة والسلام - والأقرب أنه كان مبعوثاً إلى حَوّاء، ولا يبعد أيضاً أن يكون إلى من توجّه التحدي إليهم من الملائكة ؛ لأن جميعهم وإن كانوا رسلاً فقد يجوز الإرْسَال إلى الرسول، كبعثة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إلى لُوطٍ - عليه الصلاة والسّلام - واحتجوا بأن حصول ذلك العلم له ناقصٌ للعادة، فوجب أن يكون معجزاً، وإذا ثبت كونه معجزاً ثبت كونه رسولاً في ذلك الوقت.
ولقائل أن يقول : لا نسلم أن ذلك العلم ناقص للعادة ؛ لأن حصول العلم باللُّغة لمن علمه الله، وعدم حصوله لمن لم يعلمه ليس بناقصٍ للعادة.
وأيضاً فإما أن يقال : الملائكة علموا كون تلك الأسماء موضوعةً لتلك المسميات، فحينئذ تحصل المُعَارضة، ولا تظهر المزية، وإن لم يعلموا ذلك، فكيف عرفوا أن آدم أصاب فيما ذكر من كون كلّ واحد من تلك الألفاظ اسماً لكل واحد من تلك المعاني ؟ واعلم أنه يمكن دفع هذا السُّؤال من وجهين : الأول : ربّما كان لكل صِنْفٍ من أصناف الملائكة لغة من هذه اللغات، وكان كل صنف جاهلاً بلغة الصنف الآخر، ثم إن جميع أصناف الملائكة حضروا وإن آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - لما عَدّ عليهم جميع تلك اللُغات بأسرها عرف كل صنف إصابته في تلك اللُّغة خاصّة، فعرفوا بهذه الطريق صدقة إلاَّ انهم بأسرهم عجزوا عن معرفة تلك اللغات بأسرها، فكان ذلك معجزاً.
الثَّاني : لا يمتنع أن يقال : إنه - تعالى - عرفهم قبل ذلك أنهم إذا سمعوا من آدم - عليه الصلاة والسَّلام - أظهر فعلاً خارقاً للعادة، فَلِمَ لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات أو من باب الإرهاص ؟ وهما عندنا جائزان.
واحتج من قطع بأنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - ما كان نبياً في ذلك الوَقْتِ بوجوه : أحدها : أنه لو كان نبياً في ذلك الزمان لكان قد صدرت منه المعصية بعد النبوة، وذلك غير جائز.
وثانيها : لو كان رسولاً في ذلك الوقت لكان إما أن يكون مبعوثاً إلى أحد، أو لا يكون مبعوثاً إلى أحد، وإما أن يكون مبعوثاً إلى الملائكة والإنس والجن، والأوَّل باطل، لأن الملائكة عند المعتزلة أفضل من البشر، ولا يجوز جعل الأدون رسولاً إلى الأشرف ؛ لأن الرسول متبوع، والأمّة تبع، وجعل الأدون متبوع الأشرف خلاف الأصل، وأيضا فالمرء إلى قبول القول ممن هو من جنسه أمكن، ولهذا قال الله تعالى :﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً﴾ [الأنعام : ٩] ولا جائز أن يكون مبعوثاً إلى البشر، لأنه ما كان هناك أحد من البشر إلا حَوّاء، وحواء ما عرفت التكليف إلا بواسطة آدم لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَـاذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة : ٣٥] شافههما بهذا التكليف، وما جعل آدم واسطة، ولا جائز أن يكون مبعوثاً إلى الجن ؛ لأنه