والْمَرْقَبُ : المكان العالي المشرف يقف عليه الرقيب، والرقيب أيضاً [ضرب] من الحيات، والرقيب السهم الثالث من سهام الميسر، وقد تقدمت من البقرة، والارتقاب : الانتظار.
فصل دَلَّتْ الآيةُ على تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعه.
قال تعالى :﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا ااْ أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد : ٢٢].
وقال تعالى :﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ [التوبة : ١٠] قيل : إنَّ الإلّ القرابة، قال :﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا ااْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [الإسراء : ٢٣] وقال عليه السلام : قال الله تعالى :" أنا الرحمن وهي الرحم اشتققتُ لها اسماً من اسمي، من وَصَلَها وَصَلْتُه، ومن قطعها قطعته ".
فصل قال القرطبيُّ : الرحم : اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره.
وأبو حنيفةَ يعتبر الرَّحم المحرم في منع الرجوعِ في الهِبَةِ، ويجوز الرجوع في حق بني الأعمام، مع أنَّ القطيعة موجودة، والقرابة حاصلة ولذلك تعلّق بها الإرث، والولاية، وغيرهما من الأحكام، فاعتبار المحرم زيادة على نصِّ القرآن من غير دليل، وهم يرون ذلك [نسخاً]، سيما وفيه إشارة بالتعليل إلى القطيعة قد جوَّزها في حق بني الأعمام، وبني الأخوال والخالات.
فصل أجمعت الأمةُ على أنَّ صلة الرَّحم واجبة، وأن قطيعتها محرَّمة، وقد صحَّ أن
١٤٨
رسول الله ﷺ قال لأسْمَاءَ وقد سألته : أأصِلُ أمِّي ؟ " صِلِي أمَّكِ " فأمرها بصلتها وهي كافرة فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافرة حتى انتهى لحل بأبي حنيفة وأصحابه ومن وافقهم إلى توارث ذوي الأرحام، إذا لم يكن عصبة، ولا ذو فرض ويعتقون على من اشتراهم من ذوي رحمهم لحرمة الرّحم، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " مَنْ مَلَكَ ذَا رحمٍ محرمٍ فَهُوَ حُرٌّ " وهذا قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف.
فصل واختلفوا في ذَوِي المَحَارمِ من الرِّضَاعةِ، فقال أكْثَرُ أهلِ العلمِ : لا يدخلون في مقتضى الحديث.
وقال شريك القاضي : يُعْتَقُونَ.
وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الأب [لا] يعتق على الابن إذا ملكه.
١٤٩
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٩
لما وَصَّى في الآية السابقة بالأرحام وصَّى في هذه الآية بالأيتام ؛ لأنهم قد صاروا بحيثُ لا كافِلَ لهم ولا مُشْفِقَ فيهم - أسوأ حلاً ممن له رحم، فإنه عطفه عليه، وهذا خطاب الأولياء والأوصياء.
قالوا : إن اليتيم من لا أب له ولا جد، والإيتاء : الإعطاء قال أبو زيد : أتَوْتُ الرجلَ آتُوه إتاوَةٌ، وهي الرّشوة.
وقال الزمخشري : الأيتام الذين مات آباؤهم، وَالايُتْمُ : الانفراد، ومنه الرملة اليتيمة، والدُّرة اليتيمة.
وقيل :[اليتيم] في الأناسي من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات.
قال : وحق هذا الاسم أن يقع على الضعفاء والكبار لمن يبقى معنى الانفراد عن الآباء، إلا أنَّ في العرف اختصّ هذا الاسم بمن لم يبلغ، فإذا صار مستعينً بنفسه في تحصيل مصالحه عن كافله، زال عنه هذا الاسم ؛ وكانت قريش تقول لرسول اللهِ ﷺ : يَتِيم أبي طَالِبٍ، إمَّا على القياس، وإما حكاية للحال التي كان عليها حين صغره ناشئاً في حجر عمه توضيعاً له.
وأما على قوله عليه السلام :" لاَ يتم بَعْدَ بُلُوغ " فهو تعليم للشريعة لا تعليم للغة.
وروى أبو بكر الرازي في أحكام القرآن أن جده كتب إلى ابن عباس يسأله عن اليتيم متى ينقطع يتمه ؟ فكتب إليه : إذا أونِسَ منه الرشد انقطع يتمه.
١٥٠
وفي بعض الروايات : إن الرجل ليقبض على لحيته ولم ينقطع عنه يتمه بعدُ [فأخبر ابن عباس] أن اسم اليتيم يلزمه بعد البلوغ، إذا لم يؤنس منه الرُّشْدُ، ثم قال أبو بكر :" واسم اليتم قد يقع على المرأة المفردة عن زوجها ".
قال عليه السلام :" تستأمر اليتيمة في نفسها " وهي لا تستمر إلاَّ وهي بالغة.
قال الشاعر :[الرجز] ١٧٣٢ - إنَّ الْقُبٌورَ تَنْكِحُ الأيَامى
النِّسْوَةَ ولأرَمِلَ الْيَتَامَى