بها : المهر وهذه هي القراءة المشهُورَةُ، وهي لُغَةُ الحجاز.
وقرأ قتادةُ :" صُدْقاتهن " بضمِّ الصَّادِ وإسكان الدَّال، جمعُ صُدْقَةٍ بزنة غُرْفَةٍ.
وقرأ مجاهدٌ وابن أبي عبلة بضمهما وهي جمع صدقة بضم الصاد والدال، وهي تثقيل الساكنة الدَّال للاتباع.
وقرأ ابن وثاب والنخعي " صُدُقَتَهُنَّ " بضمهما مع الإفراد.
قال الزَّمخشريُّ وهي تثقيل صُدْقة كقولهم في " ظُلْمة " " ظُلُمة "، وقد تقدم الخلاف، هل يجوز تثقيل الساكن المضموم الفاء ؟ وقرئ :" صدقاتهن " بفتح الصَّادِ وإسْكَانِ الدَّالِ وهي تخفيف القراءة المشهورة، كقولهم في عَضُد : عَضْد.
قال الوَاحِدِيُّ :" ولفظ الصَّاد والدَّال والقاف موضوع للكمال والصحة، يسمّى المهر صداقاً وصدقة وذلك لأنَّ عقد النكاح به يتم.
وفي نصب " نحلة " أربعةُ أوجهٍ : أحدها : أنَّها منصوبةِ على المصدر، والعامل فيها الفعل قبلها ؛ لأن " آتوهن " بمعنى انحلوهُنَّ، فهي مصدر على غير الصدر نحو :" قَعَدْت جلوساً ".
الثاني : أنها مصدرٌ واقِعٌ موقع الحال، وفي صاحب الحال ثلاثة احتمالات : أحدها : أنَّهُ الفاعل من " فآتوهن " أي : فآتوهن ناحِلين.
الثاني : أنَّهُ المفعول الأوَّل وهو : النِّسَاءُ.
الثالث : أنه المفعول الثاني وهو " صدقاتهن ".
أي : منحولات.
الوجه الثَّالثُ : أنَّها مفعول من أجله، إذا فُسِّرَتْ بمعنى : شِرْعة.
الوجه الرابع : انتصابها بإضمار فعل بمعنى : شَرَعَ أي : نحل الله ذلك نِحلة، أي : شَرَعَةُ شِرْعة وديناً.
والنِّحْلَةُ العَطِيَّةُ عَنْ طِيبِ النَّفْسِ، والنَّحْلَة : الشِّرْعَة، ومنه : نِحْلة الإسلام خَير النحل، وفلان ينتحل بكذا : أي يَدِيِنُ به، والنَّحْلَةُ : الفَرِيضةُ.
١٧١
قال الراغب : والنِّحْلَة والنَّحْلَةُ : الْعَطِيَّةُ على سبيل التبرع، وهي أخصُّ من الهِبَةَ، إذ كُل هبة نحلة من غير عكس، واشتقاقهُ فيما أرَى من النَّحْلِ، نظراً منه إلى فعله، فكأن " نَحَلْتهُ " أعْطَيْتَهُ عَطِيةَ النحل، ثم قال : ويجوز أن تكون النِّحْلةُ أصلاً فَسُمَّى النَّحْلُ بذلك اعتباراً بفعله.
وقال الزَّمخشريُّ : مِنْ نَحَلَه كذا أي : أعطاه إيَّاه ووهبه له عن طيب نفسه، نِحْلَةً وَنَحْلاً، ومنه حديث أبي بكر - رضي الله عَنْهُ - :" غنّي نَحَلْتُكَ جِدَادَ عِشْرِينَ وِسْقاً ".
قال القَفَّالُ : وأصله إضافة الشيء إلى غير من هو له، يقال : هذا شعر منحول، أي : مضاف إلى غير قائله، وانتحلت كذا إذا ادَّعَْتَهُ وَأَضَفْتَهُ إلى نَفْسِكَ.
فصل من المقصود بالخطاب في الآية في هذا الخطاب قولان : أحدهما : أنه " لأولياء " [النساء] ؛ لأنَّ العربَ كانت في الجاهليَّةِ لا تعطي النساء من مهورهن شيئاً، وكذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت : هنيئاً لك النافجة، ومعناه : أنَّك تأخذ مهرها إبلاً فَتَضُمَّهَا إلى إبلك فتنفج مالك اي : تعظمه، وقال ابن العرابي : النافجة ما يأخذه الرَّجلُ من الحلوانِ إذا زوج ابنته، فَنَهى الله عن ذلك، وامر بدفع الحقِّ إلى أهله، وهذا قول الكلبيِّ وأبي صالح واختيار الفرَّاء وابن قتيبةَ.
وقال الحضرميّ : وكان أولياء النساء يُعطى هذا أُخْتَه على أن يعطيه الآخرُ أخته، ولا مهر بينهما، فَنُهوا عن ذلك، " ونهى رسول الله ﷺ عن الشِّغَار "، وهو أن يزوج الرَّجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بَيْنَهُمَا.
الثاني : أنَّ الخطاب للأزواج، أمِرُوا بإيفاء مهور النساء، وهذا قول علقمة، والنَخَعِيّ وقتادة، واختيار الزجَّاج، لأنه لا ذكر للأولياء ها هنا، والخطاب قبله للأزواج.
قال قَتَادَةُ : نحلة فريضة.
١٧٢
وقال ابن جريج : فريضة مسمَّاة.
قال أبو عبيدة : لا تكون النِّحْلَةُ إلاَّ مُسَمَّاة ومعلومة.
قال القَفَّال : يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة، ويحتمل أن يكون المراد منه الالتزام كقوله تعالى :﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ﴾ [التوبة : ٢٩] أي : يضمنوها ويلتزموها، فعلى الول المراد دفع المُسَمَّى، وعلى الثاني أن المراد بيان أن الفروج لا تُستباح إلا بعوض يلتزم سواء سمَّي أو لم يسمَّ، إلا ما خُصَّ به النبي ﷺ في الموهوبة.
قوله :" فإن طبن لكم منه " " منه " في محل جر ؛ لأنه صفة لـ " شيء " فيتعلق بمحذوف أي : عن شيء كائن منه.
و " مِنْ " فيها وجهان : أحدهما : أنها للتبغيض، ولذلك يجوز أن تَهَبَهُ كُلَّ الصَّداق.
قال ابن عطيَّة : و " مِنْ " لبيان الجنس ها هنا ولذلك يجوز أن تهب المهر كله، ولو [وقعت] على التبغيض لما جَازَ ذلك انتهى.
وقد تَقَدَّمَ أن الليث يمنع ذلك، ولا يشكل كونها للتَّبغيض، وفي هذا الضمير أقوال : أحدها : أنه يعود على الصَّداق المدلول عليه بـ ﴿صَدُقَاتِهِنَّ﴾.
الثاني : أنه يعود على " الصَّدُقات " لسدِّ الواحِدِ مَسَدَّها، لو قيل : صَداقَهُنَّ لم يختلَّ المعنى، وهو شبيهٌ بقولهم : هو أحسنُ الفتيان وأجْمَلُهُ ؛ ولأنه لو قيل :" هو أحسنُ فتىً " لَصَحَّ المعنى.
ومثله :[الرجز]