لاعتلال فعلِه أوْلى، ألا تَرَى إلى صِحَّةِ الجمع مع اعتلالِ مُفْرده في معيشة، ومعايش، ومقامة، ومَقَاوِم، ولم يُصَححوا مَصْدراً أعلُّوا فِعْلهُ.
الثاني : أنه جمع " قِيمة " كـ " دِيَم " في جمع " دِيْمَة "، والمعنى : أنَّ الأموال كالقيم للنفوس ؛ لأنَّ بقاءها بها، وقد رَدَّ الفارسيُّ هذا الوجه، وإنْ كان هو قول البصريين غير الأخفشِ، بأنه قد قرئ قوله تعالى :﴿دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾ [الأنعام : ١٦١] وقوله :﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ﴾ [المائدة : ٩٧].
ولا يصحُّ معنى القيمة فيهما، وقد رَدَّ عليه الناس بأنَّه لا يلزم من عدم صحَّة معناه في الآيتين المذكورتين ألا يصح هنا، إذ معناه لائق، وهناك معنى آخر يليق بالآيتين المذكورتين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما قراءة باقي السَّبعة فهو مصدرُ " قام " والأصلُ " قِوام "، فأبدلت الواوُ ياءً للقاعدةِ المعروفة، والمعنى : التي جعلها اللهُ سبب قيام أبدانكم أي : بقائها.
وقال الزَّمخشريُّ :" أي : تقومون بها وتنتعشون بها ".
وأما قراءة عبد الله بن عمر ففيها وجهان : أحدهما : أنه مصدرُ قَاوَمَ كـ " لاوَذَ، لِواذاَ " صحَّت الواوُ في المصدرِ كما صحَّت في الفعل.
الثاني : أنه اسم لما يقوم به الشَّيء، وليس بمصدر كقولهم :" هذا ملاك الأمر " أي : ما يملك به الأمر.
وَأمَّا قراءة الحَسَن ففيها وجهان : أحدهما : أنَّه اسم مصدر كالكلام، والدَّوام، والسَّلام.
والثاني : أنَّهُ لغة من القوام المراد به القامة، والمعنى : التي جعلها الله سببُ بقاءِ قاماتكم، يقال : جارية حَسَنةُ القِوام، والقَوام، والقمة كله بمعنى واحد.
وقال أبو حاتم قوام بالفتح خطأ، قال : لأنَّ القوام امتداد القامة، وقد تقدَّم تأويلُ ذلك على أنَّ الكسائيَّ قال : هو بمعنى القِوام أي بالكسر، يعني أنه مصدر، وَأمَّا " قِوَماً " فهو مصدر جاء على الأصلِ، أعني : الصَّحِيحَ العين كالعِوَض، والحِوَل.

فصل لما أمر في الآية الأولى بإيتاء اليتامى أمْوَالَهم، وبدفع صدقات النساء إليهنَّ فَكَأنَّهُ


١٨١
قال : إنَّمَا أمرتكم بذلك إذا كانوا عاقلين بالغين، متمكنين من حفظ أموالهم، فأمَّا إذا كانوا غير بالغين، أو غير عقلاء، أو كانوا بالغين عقلاء ؛ إلاَّ أنَّهم سُفهاء، فلا تدفعوا إليهم أموالهم، والمقصود منه الاحتياطُ في حفظ أموال الضُّعفاء العاجزين.
واختلفوا في السُّفَهاء : فقال مجاهد والضَّحَّاك : هم النِّسَاءَ كما قَدَّمْنَا، وهذا مذهب ابن عمر ويدلُّ عليه ما روى أبو أمامة أن النبي ﷺ قال :" ألا إنَّما خُلِقَت النَّارُ للسُّفَهاء، يقولها [ثلاثاً] ألا وإن السُّفهاء النِّساء، [إلاّ امرأة أطاعت قيّمها " ].
وقال الزَّمخشريُّ وابن زيد : والسُّفهاء ههنا السفهاء عن من الأولاد، ويقول : لا تعط مالك [الذي هو قيامك] ولدك السَّفيه فيفسده.
وقال ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : هم النِّساء [والصبيان] إذا علم الرجل أنَّ امرأته سفيهةٌ مُفْسِدةٌ، وَأنَّ ولده سفيه مفسد، فلا يسلط واحداً منهما على ماله.
وقيل : المرادُ بالسُّفهاء كل من لم يحفظ المال للمصلحة من النِّسَاءِ والصبيان والأيتام، وكلُّ من اتَّصف بهذه الصفة ؛ لأنَّ التَّخصيص بغير دليل لا يجوز، وقد تقدَّم في " البقرة " أنَّ السَّفه خفة العقل ولذلك سُمِّي الفاسق سفيهاً، لأنه لا وزن له عند أهل العلم والدين، ويسمى النَّاقص العقل سفيهاً لخفة عقله.
فصل في دلالة الآية في الحجر على السفيه قال القرطبيُّ : دلت هذه على جواز الحجر على السَّفيه لقوله تعالى :﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾، وقوله :﴿فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً﴾ [البقرة : ٢٨٢] فأثبت الولاية على السَّفيه كما أثبتها على الضَّعيف، والمراد بالضَّعيف في الآية الضَّعيف الْعَقْلِ لصغرِ أو مرض.
فصل في حال السفيه قبل الحجر عليه [قال القرطبيُّ] : واختلفوا في حال السَّفيه قبل الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فقال مالك وأكثر
١٨٢


الصفحة التالية
Icon