أصحابه : إنَّ فعل السَّفيه وأمره كُلّهُ جائز، حتى يحجر عليه الإمامُ، وهو مذهب الشَّافعيِّ وأبي يوسف.
وقال ابن القَاسِم : أفعاله غير جائزة، وإن لم يضرب الإمام على يَدِهِ.
فصل : في الحجر على الكبير واختلفوا في الحجر على الكبير، فقال مالك وجمهورُ الفقهاء : يحجر عليه.
وقال أبو حَنِيفَةَ : لا يحجر على من بلغ عاقلاً إلا ان يكون مُفسداً لماله، فإذا كان كذلك منع من تسلميهم المالَ حتى يبلغ [خمساً وعشرين سنة، فإذا بلغها]، سُلِّمَ إليه المال بكل حالٍ، سواء كان مُفْسِداً، أو غير مفسد ؛ لأنَّه يُحبَلُ منه لاثنتي عشرة سنة، ثم يُولد له لِستَّةِ أشهرٍ فيصير جَدَّاً وأباً، وأنا أستحي أن أحجر على مَنْ يصلح أن يكون جَدَّاً.
فصل في الخطاب في الآية في هذا الخطاب قولان : الأوَّلُ : أنَّهُ خطاب الأولياء بأن يُؤتُوا السُّفهاء الذين تحت ولايتهم أموالهم لقوله تعالى :﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ [النساء : ٥] وبه يصلح نظمُ الآيةِ مع ما قَبلها.
فإن قيلَ : فكان ينبغي على هذا ان يقال : ولا يؤتوا السُّفَهَاء أموالهم.
فالجوابُ من وجهين : أحدهما : أنَّه تعالى أضاف المال إليهم، لا لأنَّهم ملكوه، لكن من حيث ملكوا التصرف فيه، ويكفي في الإضافة الملابسة بأدنى سبب.
وثانيهما : إنَّما حَسًنَتِ هذه الإضافَةُ إجراءاً للوحدة بالنَّوع مجرى الوحدة بالشخص كقوله تعالى :﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ [التوبة : ١٢٨] ﴿فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم﴾ [النساء : ٢٥] ﴿فَاقْتُلُوا ااْ أَنفُسَكُمْ﴾ [البقرة : ٥٤] وقوله :﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة : ٨٥] ومعلوم أنَّ الرَّجل منهم ما كان يقتل نفسه، وإنَّمَا كان يقتل بعضهم بعضاً، وكان الكلُّ من نَوْع واحدٍ، فكا ها هنا لما كان المال ينتفع به نَوْع الإنسان، ويحتاج إليه، فلأجل هذه الوَحْدَة النَّوعيَّة حسنت إضافة أموال السُّفهاء إلى الأولياء.
١٨٣
القول الثاني : أنَّه خطاب للآباء بألاَّ يدفعوا مالهم إلى أولادهم إذا كانوا لا يحفظون المال سفهاءُ، وعلى هذا فإضَافَةُ الأموال إليهم حقيقة، والقول الأوَّلُ أرجحُ ؛ لأنَّ ظاهر النَّهي التحريم، وأجمعوا على انَّهُ لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصّغار، ومن النِّسوان ما شاء من ماله، وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع إلى السُّفهاء أموالهم ؛ لأنه قال في آخر الآية :﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ وهذه الوصيّة بالأيتام أشبه، لأنَّ المرء مشفق بطبعه على ولده، فلا يقولُ له إلا المعروفَ، وإنَّما يحتاج إلى هذه الوصيَّة مع الأيتام الأجانب.
قال ابنُ الخطيب :" ولا يمتنع [أيضاً] حمل الآية على كلا الوجهين ".
قال القاضي : هذا بعيد ؛ لأنه يقتضي حمل قوله :" أمْوالُكم " على الحقيقة والمجاز جميعاً، ويمكن الجوابُ عنه بأن قوله :﴿أَمْوَالَكُمُ﴾ يفيدُ كون تلك الأموال مختصة بهم، اختصاصاً يمكنه التّصرف فيها، ثم إنَّ هذا الاختصاص حاصل في المال المملوك له وفي المال المملوك للصَّبي، إلاَّ أنَّه تحت تصرُّفه، فهذا التَّفاوت واقع في مفهوم خارج من المفهوم المستفاد من قوله ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾ وإذا كَانَ كذلك لم يبعد حمل اللَّفظ عليهما من حيث إن اللفظ [أفاد] معنى واحداً مشتركاً بينهما.
قوله :﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾.
ومعنى الرزق : أن أنفقوا عليهم.
وقوله " فيها " فيه وجهان : أحدهما : أنَّ " في " على بابها من الظرفية، أي اجعلوا رزقهم فيها.
والثاني : أنها بمعنى " مِنْ "، أي : بعضها والمراد :[من] أرباحها بالتجارة.
قال ابن الخطيب :" وإنَّمَا قال " فيها " ولم يقل : مِنْهَا، لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رِزْقاً [لهم]، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكاناً لرزقهم، بأنْ يَتَجِرُوا فيها، فيجعلوا أرزاقهم من الأرْبَاحِ لا من أصول الأموال ".
والأمر بالكِسْوَةِ ظاهر.
فصل في تفسير القول المعروف قوله تعالى :﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾.
اختلف المفسِّرون في القول المعروف :
١٨٤