قال ابن جُريْجٍ ومجاهد : إنه العدة الجميلة من البرِّ والصِّلة.
وقال ابنُ عباس : هو مثل أن يقول : إذا ربحت في سَفْرتِي هذه فعلت بك ما أنت أهله، وإن غنمت في غَزَاتِي جعلت لك حظاً.
وقال ابن زيد : إن لم يكن ممن يجب عليك نفقته، فقل له : عافانا الله وإيَّاك، وبارك اللهُ فيك.
وقيل : قولاً لَيِّنَاً تَطِيبُ بهِ أنفسهم.
وقال الزَّجَّاجُ :" علموهم مع إطعامهم وكسوتهم أمر دينهم ".
وقال القَفَّالُ :" هو أنه إن كان المولى عليه صبياً فيعرفه الولي أنَّ المال ماله، وهو خازن له، وأنه إذا زال صباه يَردُّ إليه المال، ونظيره قوله تعالى :﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾ [الضحى : ٩] [و] لا تعاشره بالتَّسلُّطِ عليه كمعاشرة العبيد، وكذا قوله :﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾ [الإسراء : ٢٨] وإن كان المولى عليه سفيهاً، وَعَظَهُ ونصحه وحثه على الصلاة، ورَغَّبَهُ في ترك التبذير والإسراف، وعَرَّفَهُ عاقبة التبذير الفقر والاحتياج إلى الخلق، إلى ما يشبه هذا النوع من الكلام ".
وقال ابن الخطيب : وهذا أحسن من سائر الوجوه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٩
لما أمر بدفع مال اليتيم إليه، بيَّن هنا متى يؤتيهم أموالهم، وشرَطَ في دفع أموالهم إليهم شرطين : أحدهما : بلوغ النكاح.
والثًَّاني : إينَاسِ الرُّشد.
في " حتى " هذه وما أشبهها أعني الداخلة على " إذا " قولان : أشهرهما : أنَّها حرف غاية، دخلت على الجملة الشَّرطيَّة وجوابها، والمعنى : وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم، بشرط إيناس الرُّشد، فهي حرف ابتداء كالدَّاخلة على سائِرِ الجمل كقوله :[الطويل] ١٧٥٤ - فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا
بِدجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دَجْلَةَ أشْكَلُ
١٨٥
وقول امرئ القيس :[الطويل] ١٧٥٥ - سَرَيْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ
وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بأرْسَانِ
والثاني : وهو قول جماعة منهم الزَّجَّاج وابن درُسْتَوية : أنَّها حرف جر، وما بعدها مجرور بها، وعلى هذا فـ " إذا " تتمحَّضّ للظَّرْفِيَّةِ، ولا يكون فيه معنى الشَّرط، وعلى القول الأوَّلِ يكون العامل في " إذَا " ما تَخَلَّص من معنى جوابها تقديره : إذا بلغوا النِّكاح راشدين فادفعوا.
وظاهرُ العبارة لبعضهم أنَّ " إذا " ليست بشرطيَّة، لحُصُولِ ما بعدها، وأجاز سيبويه أن يجازي بها في الشِّعر، وقال :" فعلوا ذلك مضطرين "، وإنما جُوزي بها لأنَّها تحتاج إلى جواب، وبأنَّه يليها الفعلُ ظاهراً، أو مضمراً، واحتجَّ الخليلُ على عدم شَرطيَّتِها بحصولِ ما بعدِها، ألا ترى أنك تقول : أجيئك إذا احمر البُسر، ولا تقول : إن أحمر.
قال أبُو حيان : وكلامُه يُدلُّ على أنها تكون ظرفاً مجرداً، ليس فيها معنى الشَّرط، وهو مخالف للنَّحويين، فإنَّهم كالمجمعين على أنها [ظرف] فيها معنى الشِّرط غالباً، وإن وُجِدَ في عبارةِ بعضهم ما يَنْفَى كونها أداة شرطٍ، فإنَّما أنها لا يجزم بها، إلاَّ أنها لا تكون شرطاً، وقَدَّرَ بعضهم مضافاً قال : تقديره يبلغوا حَدَّ النكاحِ أو وقته، والظَّاهرُ أنها لا تحتاج إليه، والمعنى : صَلَحوا للنكاح.
فصل في معنى الابتلاء وكيفيته والابتلاءُ : الاختيارُ، أي اختبروهم في عقولهم وإدراكهم، ، وحفظهم أموالهم.
نزلت في ثابت بن رفاعة، مات أبُوهُ رفاعةُ وتركه صغيراً عند عمه، فجاء عمُّه إلى رسول الله ﷺ وقال : إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يَحِلُّ لي مِنْ ماله، ومتى أدفع إليه ماله ؟ فنزلت هذه الآية.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والشَّعبيُّ :" لا يدفع إليه ماله، وإنْ كان شيخاً حتى يؤنس رشده "، فالابتلاءُ باختلاف أحوالهم، فإن كان مِمَّنْ يتصرف في السوق
١٨٦


الصفحة التالية
Icon