فيدفع الولي إليه شيئاً من المال، وينظر في تَصَرُّفه، وإن كان ممَّن لا يتصرف فيختبره في نفقة داره، والإنفاق على عبيده وأجرائه وتُخْتبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها فإذَا رأى حسن تصرُّفه وتدبيره مراراً حيث يغلب على الظن رشده دفع إليه المال.
فصل فيما إذا عاد إلى السَّفه بعد اخذ المال قال القرطبيُّ :" إذا سُلِّم إليه المال لوجود الرشد، ثم عاد إلى السَّفه عاد الحجرُ والقصاص.
دليلنا قوله تعالى :﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ [النساء : ٥].
ويجوز للوصيّ أن يصنع في مال اليتيم ما كان للأب أن يصنعه من تجارةٍ وإبضاع وشراء وبيع، وعليه أنْ يؤدّى الزَّكاة من سائر أمواله عينٍ وحرث وماشية وفطرة، ويؤدّي عنه أرُوش الجنايات، وقيم المُتْلَفَاتِ، ونفقةِ الوالدين، وسائر الحقوق اللازمة، ويجوز ان يزوجه، ويؤدّي عنه الصداق، ويشتري له جارية يتسرّى بها، ويصالح له وعليه على وجه النَّظر.
فصل المراد من بلوغ النكاح والمراد من بلوغ النِّكاح هو الاحتلام، لقوله تعالى :﴿وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ﴾ [النور : ٥٩] وعند هذا الحدّ يجري على صاحبه قلم التَّكليف، وإنَّما سمي الاحتلام بلوغ النَّكاح بمعنى الجماع.
واعلم أن للبلوغ خمس علامات ثَلاثَةٌ منها مُشْتَرَكةٌ بين الذكور والإناث وهي : الاحتلامُ، والسنُّ المخصوص، ونَبضاتُ الشّعر الخشن على العانَةِ.
وقيل : إنبات الشَّعر الخشن بلوغ في أولاد المشركين، ولا يكون لأولاد المسلمين ؛ لأن أولاد المسلمين يمكن الوقوف على مواليدهم بالرُّجوع إلى آبائهم، وأولاد الكفار لا يوقف على مواليدهم، ولا يُقْبَلُ قول آبائهم فيه لكفرهم، فجعل الإنبات الذي هو أمَارةُ البلوغ بلوغاً في حقِّهم.
واثنان منها تختّص بالنّساء وهما : الْحَيْضُ والْحِبَلُ.
١٨٧
فصل قال أبُو حنيفةَ :" تصرفات [الصَّبي] العاقل المميز بإذن الوليّ صحيحة لهذه الآية، ولأنه يصحّ الاستثناء فيه فيقال : ابتلوا اليتامى إلاَّ في البَيْع والشِّراء ".
قال الشَّافعيُّ : اختبار عقله في أنه هل له فَهْم وعَقْلٌ في معرفة المصالح والمفاسد ؟ بأن يبيع الوليُّ ويشتري له بحضوره، ثم يستكشفُ من الصبيِّ أحوال ذلك البيع والشِّراء، وما فيها من المصالح والمفاسد، وبهذا القَدْر يحصل الابتلاء والاختبار، وأيضاً هَبْ أنَّا سَلَّمْنَا أنه يدفع إليه شيئاً ليبيع أو يشتري، فَلِمَ قلتَ : إنَّ هذا القدر يدل على صِحَّةِ ذلك البيع والشِّراء ؟ قوله :﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ﴾.
والفاءُ جواب " إذا " وفي قوله :﴿فَادْفَعُواْ﴾ جواب " إن ".
وقرأ ابن مسعود " فإن أحستم " والأصْلُ أحسسْتُم فحذف إحدى السّينين، ويحتمل أن تكون العينَ أو اللام، ومثله قول أبي زبيد :[الوافر] ١٧٥٦ - سِوَى أنَّ الْعِتَاقَ مِنَ الْمَطَايَا
حَسِينَ بِهِ فَهُنَّ إلّيْهِ شُوسُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٥
وهذا خلاف لا ينقاسُ، ونقل بعضهم أنَّها لغةُ سُلَيم، وَأنَّهَا مُطَّردة في عين كل فعلٍ مضاعفة اتصل به تاءُ الضَّمير أو نونه ونَكَّر " رُشْداً " دلاّلةُ على التنويعِ، والمعنى أيّ نوعٍ حَصَلَ من الرُّشدِ كان كافياً.
وقرأ الجمهور " رُشْداً " بضمة وسكون، وابن مسعود والسُّلميُّ بفتحتين،
١٨٨
وبعضهم بضمتين، وسيأتي الكلامُ على ذلك في الأعراف إن شاء الله تعالى.
وآنس كذا أحسَّ به وشَعَرَ، قال :[الخفيف] ١٧٥٧ - آنسَنْ نَبْأةً وَأفْزَعَهَا القُنْـ
ـنَاصُ عَصْراً وَقَدْ دَنَا الإمْسَاءُ