وقد قيل :" وجد " عن الفراء.
وقيل : أبصر.
وقيل : رأيتم.
وقيل : آنست وأحسست ووجدت بمعنى واحدٍ.
وقال القرطبي : وأصْلُ الإيناس في اللُّغة الإبصار، ومنه قوله ﴿آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً﴾ [القصص : ٢٩].
قال أهل اللُّغة : هو إصابة الخير، قال تعالى :﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة : ٢٥٦]، والغيُّ : هو العصيان : قال تعالى :﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه : ١٢١] يكون نقضيه هو الرشد، وقال تعالى :﴿وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود : ٩٧].
وقال أبو حنيفة :" لا يعتبر هنا الصَّلاح في المال فقط "، وينبني على هذا أن أبا حنيفة لا يرى الحجر على الفاسق، والشافعي يراه.
فصل إذا بلغ الرُّشْد زال عنه الحجر، ودفع إليه، رجلاً كان أو امرأة، تزوج أو لم يتزوج.
وعند مالك إن كانت امرأة لا يدفع المال إليها ما لم تتزوج، فإذا تزوّجتْ دفع المال إليها، ولكن لا ينفذ تصرفها إلاَّ بإذن الزَّوج ما لم تكبر وَتُجَرَّبْ، فإذا بلغ الصبي رشيداً وزال الحجر عنه ثم عاد سفيهاً [نُظِرَ] إنْ مبذراً لماله حُجِرَ عليه، كما يستدام الحجر عَلَيْهِ إذا بلغ بهذه الصفة، وقيل : لا يُعَادُ ؛ لأن حكم الدوام أقْوَى من حكم الابتداء، وعند أبي حنيفة لا حَجْرَ على البَالِغِ العاقِلِ بحال.
قوله :﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً﴾.
في نصبهما وجهان : أحدهما : أنهما منصوبان على المفعولِ من أجْلِهِ أي : لأجل الإسراف والبِدَارِ.
١٨٩
ونقل عن ابن عباس أنه قال :" كان الأولياء يستغنمون أكل مال اليتيم، لئلا يكبر فينزع المال منهم ".
والثَّاني : أنَّهما مصدران في موضع الحالِ أي : مُسْرِفينَ وَمُبادِرِينَ.
وبداراً مصدرُ بادرَ والمفاعلة هنا يجوز أن تكون من اثنين على بابها، بمعنى ان الوليَّ يبادرُ ليتيم إلى أخْذِ مالهِ، واليتيمُ يُبَادِرُ إلى الكبر، ويجوز أن يكون من واحد بمعنى : أنَّ فاعل بمعنى فعل نحو : سافر وطارق.
قوله :" أن تكبروا ".
فيه وجهان : أحدهما : أنه مفعول بالمصدر أي : وبداراً كبرهم، كقوله :﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً﴾ [البلد : ١٤، ١٥] وفي إعمال المصدر المُنَوِّنِ الخلاف المشهور.
والثَّاني : أنَّه مفعول من أجله على حذف أي : مخافة أن يكبروا، وعلى هذا فمفعولُ " بِدَاراً " محذوف، وهذه الجملة النَّهْييَّةُ فيها وجهان : أصحهما : أنها استئنافية، وليست معطوفةً على ما قبلها.
والثَّاني : أنَّها عطف على ما قبلها، وهو جوابُ الشرط بـ " إن " أي : فادفعوا ولا تأكلوها، وهذا فاسدٌ ؛ لأن الشّرط وجوابه، مترتِّبان على بلوغ النِّكاح وهو معارضٌ لقوله :﴿وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ﴾ فَيَلزَمُ منه سَبْقُه على ما ترتَّب عَلَيْهِ، وذلك ممتنع.
والمعنى : ولا تأكلوها يا معشرَ الأولياءِ " إسْرافاً " أي : بغير حقٍّ، " وبداراً " أي : ومبادرة، ثم بَيَّنَ مَا يَحِلُّ لهم من مالهم فقال :" وَمَنْ كَانَ غَنِياً فَلْيَسْتَعْفِفْ " أي : فليمتنع من مال اليتيم فلا يرزؤه قليلاً ولا كثيراً، والعفة الامتناع مما لا يحل.
قال الواحديُّ : استعفف عن الشيءِ وعَفَّ : إذا امتنعَ منه وتَرَكَهُ.
قال الزمخشريُّ :" استعفف أبلغ مِنْ عَفٍّ كأنَّه طالب زيادة العِفَّةِ ".
قوله :﴿وَمَن كَانَ فَقِيراً﴾.
محتاجاً إلى مال اليتيم، وهو يحفظه ويتعمَّده ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
رُوِيَ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أن رجلاً أتى رسول الله ﷺ فقال :" إنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتيمٌ، فقال : كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمكَ عَيْرَ مُسْرِفٍ وَلا مُبَذِّرٍ وَلاَ مُتَأثِّل ".
١٩٠