واختلفوا، هل يلزمهُ القضاءُ ؟ فقال مجاهدٌ وسعيدُ بن جبير : يقضي إذا أيسر لقوله :﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ والمعروف : هو ان يقترض من مال اليتيم إذا احتاج إليه، فإذا أيْسَرَ قَضَاهُ.
قال عمرُ بن الخطّاب :" إنِّي أنْزَلْتُ نفسي من مال الله بمنزلة مال اليتيم، إن استغنيتُ استعففتُ، وإنْ افترقتُ أكَلْتُ بالمعروفِ، فَإذا أيْسَرْتُ قضيتُ ".
وأكثر الروايات عن ابن عباس، وبعض العلماء أنّ القرض مخصوص بأصول الأموال من الذَّهب والفضَّة وغيرهما، فأمَّا التَّناول من ألبان المواشي، واستخدام العبيد، وركوب الدَّواب، فمباح له إذا لم يضرَّ بالمال، وهذا قول أبي العالية ؛ لأنه أمر بدفع أموالهم إليهم.
قال الشَّعْبيُّ :" لا يأكله إلا أن يضطر كما يضطر إلى الميتة ".
وقال قوم : لا قضاء عليه لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً﴾ وهذا يُشْعِرُ بأن له أن يأكل بقدر الحاجة، وقوله ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أن للوصي أن ينتفع بمقدار الحاجة، وقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً﴾ [النساء : ١٠] ﴿سَعِيراً﴾ [النساء : ١٠] يدل على أن مال اليتيم قد يؤكل وغير ظلم، وإلاَّ لم يكن لقوله ﴿ظُلْماً﴾ معنى.
وأيضاً الحديث المتقدم، وأيضاً فيقاسُ على السَّاعي فإنَّهُ يُضْرَبُ له من الصَّدقات على قدر عمله، فكذا ها هنا.
وقال أبُو بكرٍ الرازيُّ : الَّذي نعرفه من مذهب أصحابنا أنه لا يأخذ على سبيل القرض، ولا على سبيل الابتداء سواء كان غنياً أو فقيراً، لقوله تعالى :﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء : ٢] إلى قوله ﴿حُوباً كَبِيراً﴾ [النساء : ٢]، وقوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً﴾ [النساء : ١٠] إلى قوله ﴿سَعِيراً﴾ [النساء : ١٠] وقوله :﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء : ١٢٧].
فصل قال القرطبيُّ : كما على الوصي والكفيل حفظ مال يتيمه كذلك عليه حفظ الصبيِّ في بدنه وتأديبه، " رُوِيَ أنَّ رجلاً قال لِلنبِيِّ ﷺ إنَّ في حجري يتيماً أآكل من ماله ؟ قال :
١٩١
" نعم " غير متأثل مالاً ولا واقٍ مالك بماله " قال : يا رسول الله أفأضربه، قال :" مَا كُنْت ضَارِبً منه وَلَدَكَ ".
﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ﴾.
وهذا أمر رشاد، وليس بواجب، أمر الولي بالإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد البلوغ ليزول عنه التهمة وتنقطع الخصومة.
واختلفوا فيما إذا ادَّعى الوصيُّ بعد بلوغ اليتيم أنَّه دفع المال إليه هل يصدَّق ؟ أو قال أنْفَقْتُ عليه المالَ في صغر ؟ فقال مالكٌ والشَّافعيُّ : لا يصدَّقُ.
وقال أبو حنيفة :" يصدَّقُ ".
قوله :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً﴾.
في " كفى " قولان : أحدهما : أنَّها اسم فعل.
والثاني : وهو الصَّحيح - إنها فعلٌ، وفي فاعلها قولان : الأول : وهو الصَّحيح أنَّهُ المجرور بالباء، والباء زائدة فيه وفي فاعل مضارعه نحو :﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ﴾ [فصلت : ٥٣] باطِّراد فقال أبُو البقاء : زيدت لتدلَّ على معنى الأمر إذ التقدير : اكتف بالله، وهذا القول سبقه إليه مَكِي والزَّجاجُ فإنه قال : دَخَلَتْ الباءُ في الفاعل ؛ لأن معنى الكلام الأمرُ أي : الباء ليست بزائدة، وهو كلامٌ غيرُ صحيح ؛ لأنه من حيث المعنى الذي قدَّره يكون الفاعل هم المخاطبين، و " بالله " متعلّق به، ومن حيث كون " الباء " دخلت في الفاعل يكون الفاعل هو اللهُ تعالى، فيتناقض.
وفي كلام ابن عطية نحو من قوله أيضاً فإنه قال :" بالله " في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض،
١٩٢
وفائدة زيادته تبيَّن معنى الأمر في صورة الخَبَرِ أي : اكتفوا بالله، " فالباء " تدل على المراد من ذلك، وفي هذا ما رُدَّ به على الزَّجَّاجِ، وزيادة جَعْلِ الحرف زائداً وغير زائدٍ.
والثاني : أنَّه مضمر والتَّقديرُ : كفى الاكتفاء و " بالله " على هذا في موضع نصب ؛ لأنه مفعول به في المعنى، وهذا رأي ابن السَّراج، وَرُدَّ هذا بأن إعمال المصدر المحذوف لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة كقوله :[البسيط] ١٧٥٨ - هَلْ تَذْكُرُونَ إلَى الدَّيْرَينِ هجْرَتَكُمْ
وَمَسْحَكُمْ صُلْبَكُمْ رَحْمَانُ قُرْبَاناً
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٥