بالكليَّةِ، فصعب الأمر على اليتامى، فنزل قوله تعالى :﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة : ٢٢٠] وزعم بعضهم أنَّ هذه الآية صارت منسوخة بتلك وهو بعيد ؛ لأنَّ هذه الآية في المنع من الظُّلْمِ وهذا لا يصير منسوخاً، بل المقصود أنَّ مخالطة أموال اليتامى إن كان على وجه الظُّلْم فهو إثم عظيم كما في هذه الآية، وَإنْ كان على وجه الإحسان والتّربية فهو من أعظم [أبواب] البرّ، لقوله :﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة : ٢٢٠].
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٣
في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان : الأوَّلُ : أنَّهُ تعالى لَمَّا بَيَّن الحكم في مال الأيتام وما على الأولياء فيه، بَيَّنَ في هذه الآية كيفية تملك الأيتام المال بالإرث.
الثَّاني : أنَّهُ لمَّا بين حكم الميراث مجملاً في قوله :﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ فذكر هنا تفصيل ذلك المجمل.
فصل اعلم أنَّ الوراثة كانت في الجاهليَّةِ بالذُّكورة والقوَة، وكانوا يورثون الرّجال دون النِّسَاء والصّبيان، فأبطل الله ذلك بقوله :﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ﴾ [النساء : ٧] الآية.
وكانت أيضاً في الجاهليَّة وابتداء الإسلام بالمخالطة، قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء : ٣٣].
ثم صارت الوراثة بالهجرة، قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الأنفال : ٧٢] فنسخ اللهُ ذلك كله بقوله :﴿وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال : ٧٥] وصارت الوراثة بأحد الأمور الثَّلاثة : النّسب، أو النكاح، أو الولاء.
وقيل : كانت الوراثة أيضاً بالتَّبنِّي، فإنَّ الرَّجل منهم كان يتبنَّى ابنَ غَيْره فَيُنْسَبُ إليه دون أبيه من النَّسب فيرثه، وهو نوع من المعاهدة المتقدِّمَةِ، وكذلك بالمؤاخَاةِ.
وقال بعض العلماء : لم ينسخ شيء من ذلك بل قررهم الله عليه فقوله :﴿وَلِكُلٍّ
٢٠٦
جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ [النساء : ٣٣] [ليس المراد منه النصيب من المال، بل المراد فآتوهم نصيبهم من النصرة] والنصيحة وحسن المعاشرة.
فصل : سبب نزول الآية روى عطاء قال : استشهد سعدُ بْنُ الرَّبِيع النَّقيب، وترك ابنتين وامرأة وأخاً، فأخذ الأخ المال كُلَّهُ، فأتت المرأةُ إلى رسول الله ﷺ وقالت : يا رسول اللهِ هاتان ابنتا سَعْدٍ، وإن سعداً قتل، وأن عمهما أخذ مالهما، فقال عليه السلام :" ارجعي فَلَعَلَّ اللهَ سَيَقْضِي [فيه] " ثم إنها عادت إليه بعد مدة وبكت، فأنزل الله هذه الآية، فدعا رسول الله ﷺ عمَّهما، وقال له :" أعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقي فَهُوَ لَكَ " فهذا أوَّلُ ميراث قُسِّمَ في الإسلام.
وقال مقاتلٌ والكَلْبِيُّ : ننزل في أم كُحَّة امرأة أوس بْنِ ثَابتٍ وبناته.
وروى جابر قال : جاء رَسُولُ اللهِ ﷺ وأنا مريض لا أعقِلُ فتوضّأ فَصَبَّ عَلَيَّ من وضوئه فقلتُ : يا رسول الله لمن المِيرَاثُ، وَإنَّمَا يرثُنِي كَلاَلَةٌ فنزلت آية الفرائض.
فصل قال القَفَّالُ : قوله تعالى :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ﴾ أي : يقول لكم قولاً يوصلكم إلى إيفاءِ حقوق أولادكم بعد موتكم، وأصل الإيصاء هو الإيصَالُ يقال :
٢٠٧