وقال عليه الصَّلاة والسَّلامُ :" أرَأيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أبِيكَ دَيْنٌ " وقال عليه السلام :" دينُ اللَّهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى ".
قوله :﴿وَصِيَّةٍ﴾ في نصبها أربعة أوجه : أحدها : أنَّهُ مصدرٌ مؤكَّد، أي : يوصيكم اللَّهُ [بذلك] وَصِيَّة.
الثَّاني : أنها مصدر في موضع الحال، والعامل فيها ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ قاله ابنُ عَطِيَّةَ.
والثَّالِثُ : أنها منصوبةٌ على الخروج إمَّا مِنْ قوله :﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ﴾، أو من قوله :﴿لِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثُّلُثِ﴾، وهذه عبارةٌ تشبه عبارة الكوفيين.
والرَّابعُ : أنَّها منصوبةٌ باسم الفاعل وهو ﴿مُضَآرٍّ﴾ والمُضَارَّة لا تقع بالوصيَّةِ بل بالورثة، لكنَّه لَمَّا وّصَّى اللَّهُ - تعالى - بالورَثَة جَعَلَ المُضَارَّة الواقعة بهم كأنها واقعة بنفس الوصيّة مُبَالَغةً في ذلك، وَيُؤيَّدُ هذا التخريج قراءة الحسن :﴿غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ﴾ بإضافة اسم الفاعل إليها على ما ذكرناه من المجاز، وَصَارَ نظير قولهم :" يا سارِقَ الليلةَ "، التقدير : غير مضار في وصية من الله، فاتُّسعَ في هذا إلى أنَّ عُدَّيَ بنفسه من غير واسطةٍ، لما ذكرنا من قَصْد المبالغة، وهذا أحْسَنُ تخريجاً من تخريج أبي البَقَاءِ فإنَّهُ ذكر في تخريج قراءة الحَسَنِ وجهين : أحدهما : أنَّهُ على حذف " أهل " أو " ذي " أي : غير مضارِّ أهل وصيَّةٍ، أو ذي وَصِيَّة.
والثَّاني : على حذف وقت، أي : وقت وصيَّة، قال وهو مِنْ إضافَةِ الصِّفة إلى الزَّمانِ، ويقرب من ذلك قولهم : هو فارسُ حربٍ، أي : فارس في الحرب، وتقولُ : هو فارسُ زمانه، أي : فارس في زمانه، كذلك تقدير القراءة : غير مضارٍّ في وقت الوصيَّة.
ومفعول ﴿مُضَآرٍّ﴾ محذوفٌ إذا لم تُجعَلْ ﴿وَصِيَّةً﴾ مفعولةً، أي : غير مضارٍّ وَرَثتِهِ بوصيَّةِ.
فَإنْ قيل : ما الحكمةُ في أنَّهُ ختم الآية الأولى بقوله :" فريضة من الله والله عليم حليم " وختم هذه الآية بقوله :" وصية من الله " ؟ فالجوابُ : أنَّ لفظ الفرض أقوى وأؤكد من لفظ الوَصِيَّةِ، فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفريضة، وختم شرح ميراث الكلالة بالوصيَّةِ ليدُلَّ بذلك على أنَّ الكلَّ، وإن كان واجب الرِّعاية، إلاَّ أن رعاية حال الأولاد
١٣١
أولى وأقوى، ثم قال :" والله عليم حليم " عليم بمن جار أو عدل في وصيته " حليم " على الجائر لا يعالجه بالعقوبة وهذا وعيدٌ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٢
لما بَيَّنَ سهام المواريث ذكر الوعد والوعيد، ترغيبا في الطَّاعة وترهيباً عن المعصية.
وقوله تعالى :﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى ما ذكر من المواريث ؛ لأنَّ الضَّمير يعود إلى أقرب مذكورٍ.
وقيل : إشارة إلى كلِّ ما ذكر من أوَّلِ السُّورة إلى هنا من أحكام أموال اليتامى، والأنكحة، وأحكام المواريث، قاله الأصمُّ ؛ لأنَّ الأقرب إذا لم يمنع من عوده إلى الأبعد وجب عوده إلى الكُلِّ ؛ ولأنَّ المراد بحدود اللّهِ : الأحكام التي ذكرناها وبيَّنها، ومنه حدود الدّار ؛ لأنَّها تميزها من غيرها.
قوله :﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ وقوله :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾.
قيل : مختصٌّ بمن أطاع أو عصى في هذه التَّكاليف المذكورة في هذه السُّورة.
وقال المحقِّقُون : بل هو عام ؛ لأنَّ اللَّفظَ عامٌّ فيتناول الكُلَّ.
قوله :﴿يُدْخِلْهُ﴾ حَمَلَ على لفظ " مَنْ "، فَأفْرَدَ الضَّميرَ في قوله :﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ﴾ و ﴿يُدْخِلْهُ﴾ وعلى معناها، فجمع في قوله :﴿خَالِدِينَ﴾ وهذا أحسنُ الحَمْلَيْنِ، أعني : الحمل على الَّلفظ، ثم على المعنى، ويجوز العكس، وإن كان ابن عطيَّة قد منعه وليس بشيء لثبوته عن العرب، وَقَد تَقَدَّمَ ذلك مِرَاراً، وفيه تفصيلٌ، وه شروط مذكورة في كتب النحوِ.
قوله :﴿خَالِدِينَ﴾ في نصبه وجهان : أظهرهما : أنَّهُ حال من الضمير المنصوب في ﴿يُدْخِلْهُ﴾ وَلاَ يَضُرُّ تَغَايُرُ الحال وصاحبها من حيث كانت جمعاً وصاحِبُها مفرداً، لما تقدَّم من اعتبار الَّلفْظِ والمَعْنَى وهي مقدّرة ؛ لأنَّ الخلود بعد الدُّخول.
والثَّاني : أن يكون نَعْتاً لـ ﴿جَنَّاتٍ﴾ من باب ما جَرَى على موصوفه لَفْظاً، وهو
٢٣٢