وقرأ عبد الله :" والذين يفعلونه منكم " وهذه قراءة مشكلة ؛ لأنَّهَا بصيغة الجمع، وبعدخا ضمير تثنية وَقَدْ يُتَكَلَّفُ تخريجٌ لها، وهو أنَّ " الذين " لَمَّا كان شاملاً لصنفي الذّكورِ والإناثِ عَادَ الضّميرُ عليه مثنى اعتباراً بما انْدَرَجَ تحته، وهذا كما عاج ضَمِيرُ الجمع على المُثَنَّى الشّامل لأفرادٍ كثيرة مندرجةٍ تحْتَه، كقوله تعالى :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ﴾ [الحجرات : ٩]، و ﴿هَـاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ﴾ [الحج : ١٩] كذا قاله أبو حيان.
قال شهاب الدِّينِ : وفيه نظر، فإنَّ الفَرْقَ ثابتٌ، وذلك لأن " الطَّائفة " اسم لجماعة، وكذلك " خَصْم " ؛ لأنَّهُ في الأصل مصدرٌ فأطلِقَ على الجمع.
وأصل " فآذوهما " فآذِيُوهما، فاستثقلت الضَّمَّةُ على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان، فَحُذِفَت الياء الّتي هي لام الكلمة وضُمَّ ما قبل الواوِ لِتَصِحَّ.
فصل اختلفوا في وجهِ هذا التّكرير، فقال مُجَاهِدٌ : الآية الأولى في النساء وهذه في الرّجال، وَخُصَّ الحبسُ في البيتِ بالمرأة، وخُصَّ الإيذاء بالرجال ؛ لأنَّ المرأة إنَما تقع في الزّنا عند الخروج والبروز، وإذا حبست في البيت انقطعت مادّة هذه المعصية، وأمَّا الرَّجل فلا يمكن حبسه في البيت ؛ لأنَّهُ يحتاج إلى الخروج لإصلاح معاشه، ومهماته، وقوت عياله.
وقيل : إنّ الإيذاء مشترك بين الرّجل والمرأة، والحبس كان من خواصّ المرأة.
وقال السُّدِّيُّ : المرادُ بهذه الآية البكرُ من الرِّجال والنِّساء وبالآية الأولى للثيب لوجوه : الأوَّل : قوله :﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ﴾ فأضافهن إلى الأزواج.
الثَّاني : أنَّهُ سماهنَّ نساء، وهذا الاسم أليق بالثَّيب.
الثالث : أنَّ الإيذاء أحقّ من الحبس في البيت، والأخف للبكر دون الثّيب.
وقال أبو مسلم : الآية الولى في السّحاقات، وهذه في أهل اللّواط، وقد تَقَدَّمَ.
وقيل : إنَّهُ بَيَّنَ في الآية الأولى أنَّ الشهداء على الزِّنَا لا بدّ وأن يكونوا أربعة، وبين في هذه الآية أنَّهم لو كانوا شاهدين فآذوهما بالرّفع إلى الإمام والحدّ، فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فاتركوهما.
٢٤٦
فصل قال عطاء وقتادة : قوله " فآذوهما " يعني فعيروهما باللسان : أما خِفْتَ اللهَ ؟ أما استحييت من الله حين زنيت.
وقال مُجَاهِدٌ : سبوهما واشتموهما.
وقيل : يقال لهما :" بئس ما فعلتما " وخالفتما أمر الله.
وقال ابن عبَّاس : هو باللسان واليد يُؤذي بالتعيير وضرب النعال.
قوله تعالى :﴿فَإِن تَابَا﴾ أي : من الفاحشة ﴿وَأَصْلَحَا﴾ العمل فيما بعد ﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ﴾، فاتركوهما ولا تؤذوهما، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ ومعنى التواب أنه يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه.
والله أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٤
قد تقدَّمَ الكلام على ﴿إِنَّمَا﴾ في أول البقرة [آية ١١] وما قيل فيها.
و " التوبة "، مبتدأ وفي خبرها وجهان : أظهرهما : أنَّهُ " على الله "، أي : إنَّمَا التَّوْبَةُ مستقرّة على فضل اللهِ، ويكون " للذين " متعلقاً بما تَعَلَّقَ به الخبر.
وأجاز أبُو البقاء : عند ذِكْرِهِ هذا الوجه أن يكون " للذين " متعلقاً بمحذوف على أنه حال، قال : فعلى أن يكون ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّواءَ﴾ حالاً من الضّمير في الظّرف وهو " على الله "، والعاملُ فيها الظّرفُ أو الاستقرار، أي : كائنةً لِلَّين، ولا يجوز أن يكون العاملُ في الحال " التوبة " ؛ لأنَّه قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بالخبر، وهذا فيه تكلُّفٌ لا حاجةِ إليه.
الثّاني : أن يكون الخبر " للذين " و " على الله " متعلّق بمحذوف على أنَّهُ حال من شيءٍ محذوف، والتقديرُ : إنما التَّوبة إذا كانت - أو إذْ كانت - على اللهِ للذين يعملونَ فـ " إذا " و " إذ " معمولان لـ " الذين " لأن الظَّرْف يتقَدَّمُ على عامله المعنوي و " كان " هذه
٢٤٧