غير حلال لكم.
وجعله أبُو البقاءِ على هذا الوجه مستأتفاً يعني أنَّه ليس بمعطوفٍ على الفعلِ قبله.
والثَّانِي : أجازه ابن عطية وَأبَو البَقَاءِ أن يكون منصوباً عطفاً على الفِعْلِ قبله.
وقال ابنُ عَطِيَّةَ : ويُحتمل أن يكونَ ﴿تَعْضُلُوهُنَّ﴾ نصباً عطفٌ على ﴿تَرِثُواْ﴾ فتكون الواو مشتركةً عاطفةً فِعْلاً على فعلٍ.
وقرأ ابْنُ مَسْعُودٍ :" ولا تعضلوهن " فهذه القراءة تقوّي احتمال النّصب، وأن العَضْلَ مَمَّا لا يَحِلُّ بالنص.
وردَّ أبو حيَّان هذا الوجه بأنَّكَ إذا عطفت فعلاً منفياً بـ " لا " على مثبت وكانا منصوبين فَإنَّ النَّاصبَ لا يُقَدَّر إلاَّ بعد حرف العطف لا بعد " لا "، فإذا قلت : أريد أن أتوب ولا أدخل النار، قال التقدير : أريد أن أتوبَ و [أنْ] لا أدخل النار " ؛ لأن الفعل يطلب الأول على سبيل الثبوتِ، والثاني على سبيل النفي والمعنى : أريدُ التوبةَ انتفاء دخولي النار، فلو كان المتسلط على المتعاطفين نفياً فكذلك، ولو قدَّرْتَ هذا التقدير في الآية لم يصح لو قلت :" لا يحل أن لا تعضلوهن "، لم يصح إلاَّ أن تجعل " لا " زائدة لا نافيةً، وهو خلاف الظاهر، وأما أن تقدِّر " أنْ " بعد " لا " النافية فلا يَصِحُّ، وإذا قَدَّرتَ " أن " بعد " لاَ " كان من عطف المصدر المقدّر على المصدر المقدر، لا من باب عطف الفعل على الفعل، فالتبس على ابْنِ عَطِيَّة العطفان، وظَنَّ أنَّهُ بصلاحية تقدير " أن " بعد " لا " يكونُ مِنْ عَطْفِ الفعل على الفعل وفَرْقٌ بين قولِك " لا أريد أن تقوم إلا تخرج " وقولك : أرِيدُ أنْ تَقُوم ولا أنْ تَخْرُجَ، ففي الأول نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه، وإرادة انتفاء خروجه، فقد أرادَ خروجه، وفي الثَّانية نَفَى إرادةَ وجودِ قيامه ووجودَ خروجه، فلا يريد لا القيام، ولا الخروج.
وهذا في فهمه بعضُ غموضٍ على مَنْ تَمَرَّنَ في علم العربيَّةِ ؛ انتهى ما ردّ بِهِ.
قال شهابُ الدِّينِ : وفيه نظر من حيث إنَّ المثال الّذي ذكره في قوله :" أريد أن أتوب ولا أدخل النار " فَإنَّ تقديرَ النَّاصب فيه قبل " لا " واجب من حيثُ إنَّهُ لو قُدِّرَ بعدها
٢٥٨
لفسد التركيب، وأما في الآية فتقدير " أن " بعد " لا " صحيح، فَإنَّ التقدير يصير : لا يَحِلُّ لكم إرث النساء كَرْهاً ولا عَضْلُهن، ويَؤيِّدُ ما قلته، وَمَا ذَهَبَ إليه ابن عكيَّةَ قولُ الزمخرشيِّ فإنَّهُ قال : فإن قلت : تَعْضُُلُوهُنَّ ما وجه إعرابه ؟ قلت : النَّصبُ عطفاً على ﴿أَن تَرِثُواْ﴾ و " لا " لتأكيد النّفي أي :" لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن : فَقَدِ صَرَّحَ الزمخشري بهذا ا االمعنى وصَرَّحَ بزيادة " لا " التي جَعَلَها الشيخ خلاف الظاهر، وفي الكلام حذف تقديره :" ولا تعضلوهن من النكاح " إن كان الطاب للأولياء : أو : لا تعضلوهن من الطلاق، إن كان الخطاب للأزواج.
وهو قول أكثر المفسرين.
وقيل :[هو] خطابُ الوارث الزَّوج بحبس الزّوجة حتى تَرُدَّ الميراث.
قال ابنُ عَطِيَّة : هذا في الرَّجُلِ تكون له المرَْأةُ وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر فنهاه اللهُ عن ذلك.
وقيل : الخِطَابُ عامٌّ في الكلِّ.
قوله :﴿لِتَذْهَبُواْ﴾ اللام متعلّقةُ بـ ﴿وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾ والباء في " ببعض " فيها وجهان : أحدهُمَا : أنَّها باء التعدية المرادفةُ لهمزتها أي : لتِذْهِبُوا بما آتيتموهن.
والثاني : أنها للمصاحبةِ، فيكون الجارُّ في محلِّ نصبٍ على الحال، ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : لتذهبوا مصحوبين ببعض، و " ما " موصولة بمعنى الذؤي، أوْ نكرة موصوفة، وعلى التقديرين فالعائدُ محذوف، وفي تقديره إشْكَالٌ تَقَدَّمَ الكلام عليه في البقرة عند قوله :﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة : ٣].
قوله :﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ﴾ في هذا الاستثناء قولان : أحدُهُمَا : أنه منقطعٌ فيكونُ ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ﴾ في محلِّ نصب.
والثَّاني : أنه متَّصِلٌ وفيه حينئذٍ ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّه مستثنى من ظرف زمان عام تقديره :" ولا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلاّ في حال إتيانهن بفاحشة ".
والثَّاني أنَّه مستثنى من الأحوال العامَّة، تقديره : ولا تعضلوهن في وقتٍ من الوقات إلاَّ في حال إتيانهن بفاحشة، والمعنى لا يحل له أن يحبسها ضراراً حتى
٢٥٩


الصفحة التالية
Icon