تفتدي منه إلاّ إذا زَنَتْ، والقائلون بهذا منهم من قال بقي هذا الحكم ولم ينسخ ومنهم من قال : نسخ بآية الجلد.
الثالث : أنه مستثنى من العلة العامة تقديره : لا تعضلوهن لعلةٍ من العلل إلا لإتيانهن بفاحشة.
وقال أبو البثاء بعد أن حكى فيه وجه الانقطاه :" والثاني : هو في موضع الحال تقديره : إلاَّ في حال [إتيانهن بفاحشةٍ، وقيل : هو استثناء متصل، تقديره : ولا تَعْضُلوهن في حال إلا في حال] إتيان الفاحشة " انتهى.
وهذان الوجهان هما في الحقيقة وجهٌ واحد، لأنَّ القائلَ بكونه منصوباً على الحال لا بُدَّ أن يقدِّر شيئاً عاماً يجعل هذا الحال مستثناةً منه.
وقرأ ابنُ كثير وأبو بكر عن عاصم :" مبيَّنة " اسم لمفعول بفتح الياء في جميع القرآن، أي بَيَّنَها في قوله :﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي﴾ [إبراهيم : ٣٦] والباقون بكسر الياء من اسم الفاعل وفيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ من بيَّن المتعدي، فعلى هذا [يكون] المفعول مَحْذُوفاً تقديره [مبينة حال مرتكبها.
والثاني : أنها من بَيَّن الازم، فإن بَيَّنَ يكون متعديا ولازماً يقال :] بانَ الشَّيْء وأبان واستبان، وبين تبين، بمعنى واحد أي : أظهر، وإذا ظهرت صارت أسباباً للبيان، وإذا صَارَتْ سبباً للبيان جاز إسناد البيان إليها، كما انذَ الأصنام لما كانت شسبباً للضلال حسُنَ إسناد الإضلال إليها لأنَّ الفاحشة لا فعل لها في الحَقِيقَةِ.
وأيضاً الفاحشة تتبين فإن يشهد عليها أربعة صارت مبينة.
وقرأ بعضهم " مُبَينَة " بكسر الياء وسكون الياءِ اسم فاعل من " أبان " وهذان الوجهان [هما] المتقدّمان في المشددة المكسورة، لأن " أبان " أيضاً يكون متعدياً ولازماً وأما " مبيناتط جمعاً فقرأهن الاخوان وابن عامر وحفص عن عاصم بكسر
٢٦٠
الياء اسم فاعل، والباقون بفتحها اسم مفعول، وتَقَدَّمَ وجه ذلك.
فصل قال ابنُ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةُ : الفاحشة هي النُّشوز، وإيذاء الزَّوج، والمعنى إذا كان سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخُلْعِ ويُؤَيِّدُهُ قولُ أبيٍّ بن كعب، إلاَّ أن يفحشن عليكم.
وقال الحَسَنُ، وأبو قلاَبَةَ والسُّدِّيُّ : هي الزنى والمعنى، إذَا نَشَزَتِ الَمْرأةُ، أوْ زَنَتْ حَلَّ للزَّوْج أنْ يسألها الخُلْعَ.
وقال عطاء : كان الرَّجُلُ إذا أصابت امرأته فَاحِشَةً أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها فنسخ اللهُ ذلك.
قوله :﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وقال الزَّجَّاجُ : وهو النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول.
وقيل : أن يتصنّع لها كما تَتَصَنع له.
[قوله :] ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ لها وجهان : أظهرهما : أنَّهَا باءُ الحالش، أي : من الفاعل مُصَاحبين لهن بالمعروف، أو من المفعول أي مصحوبات بالمعروف.
والثَّاني : أنها باء التعدية.
قال أبُو البَقَاءِ : بالمعروف مفعول، أو حال.
فصل قال القُرْطُبِيُّ : استدل علماؤنا بقوله تعالى :﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أنّ المرأة
٢٦١
إذا لم يكفيها خادم واحد أنَّ عليه أن يكفيها قدر كفايتها كابنة الخليفة والملك وشبههما ممن لا يكفيها خادم واحد، وأنَّ ذلك هو المعاشرةُ بالمعْرُوفِ.
وقال الشَّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ : لا يلزمه إلا خادم واحد، وذلك يكفيها خدمة نفسها وليس في العالم امرأة إلا ويكفيها خادم واحد، وهذا كالمقاتل تكون له أفراس فلا يُسْهمُ لَهُ إلاَّ بفرس واحد ؛ لأنه لا يقاتل إلا على فرس واحد، قال علماؤنا : وهذا التشبهي غلط ؛ لأن مثل بنات الملوك اللاتي لهن خدمة كثيرة لا يكفيها خادم واحد، لأن إصلاح شأنها ومطبخها، وغسيل ثيابها لا يكفيها خادم واحد يقوم بذلك.
قوله :﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ [فَعَسَى ﴾ ] أي إن كرهتم عشرتهن بالمعروف وآثرتم فراقهن.
قوله :﴿فَعَسَى ﴾ الفاء جواب الشرط، وإنَّمَا اقترنت بها عسى ؛ لأنها جامدة.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : فإن قلت من أي وجه صح أن يكون فعسى جزاء للشرط ؟ قلت : من حيث المعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكرامة، فلعلَّ لكم فيما تكرهون خيراً كثيراً ليس فيما تحبون.
ولهذا قال قَتَادَةُ : فإنه فسر الخير الكثير بودٍّ يحصل فتنقلب الكراهة محبة، فلعلَّ لكم فيما تكرهون خيراً كثيراً ليس فيما تحبون.
وقيل : ولد صالح.
وقرئ وَيَجْعَلُ برفع اللام.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ على أنه حال يعني : ويكون خبر المبتدأ محذوف لئلا يلزم دخول الواو على مضارع مثبت، و " عسى " هنا تامة ؛ لأنها رفعت انَّ وما بعدها، والتقدير : فقد قربت كراهيتكم فاستغنت عن تقدير خبر، والضمير في " فيه " يعود على شيء، أي : في ذلك الشيء المكروه.
وقيل : يعود على الكره المدلول عليه بالفعل، والمعنى ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ﴾ ورغبتم في مفارقتهن، فربما جعل في تلك المفارقة لهن خيراً كثيراً، وذلك بأن تتزوج غيره خيراً منه.
ونظيره قوله :﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ﴾ [النساء : ١٣٠] وهذا قول
٢٦٢