الأصَمِّ، قال القاضي، وهذا بعيد ؛ لأنه تعالى حث بما ذكر على استمرار الصحبة فكيف يريد المفارقة.
وقيل : الضمير يعود على الصبر، وإن لم يجر له ذكر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
لما اذن في مضارة الزوجات إذَا أتبني بفاحشة مبينة بين في هذه الاية تحريم المضارة في غير حال الإتيان بالفاحشة ؛ وذلك لأن الرجل إذا مال إلى التَّزَوُّج بامرأة أخرى، وزمى زوجته بنفسه بالفاحشة حتى يُلْجِئَها إلى الافتداء منه بما أعْطاهَا ليصرفه في تزوج المرأة التي يريدها، فقال تعالى ﴿وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ﴾.
قوله :﴿مَّكَانَ زَوْجٍ﴾ ظرف منصوب بالاستبدال، والمراد بالزوج هنا الجمع، أيْ : فإن أردتم استبدال أزواج مكان أزواج وجاز ذلك [لدلالة] جمع المستبدلين، إذ لا يتوهم اشتراك المخاطبين في زوج واحد مكان زوج واحد، ولإرادة معنى الجمع عاد الضمير من قوله ﴿إِحْدَاهُنَّ﴾ على " زوج " جمعاً.
[و] التي نهى عن الأخذ منها في المستبدل مكانها ؛ لأنها آخذة منه بدليل قوله تعالى :﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ وهذا إنَّمَا هو في القديمة لا في المستحدثة، وقال :﴿إِحْدَاهُنَّ﴾ ليدل على أنه قوله ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً﴾ المراد منه : وآتى كل واحد منكم إحداهن أي : إحدى الأزواج [ولم يقل :" آتيتموهن قنطاراً، فدَلَّ [على] لفظ إحداهن ".
على أنَّ الضمير المراد استبدال أزواج مكان أزواج فأرِيدَ بالمفرد هنا الجمع، لدلالة ﴿وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ﴾، واُرِيدَ بقوله :" وآتيتم كل واحد واحد " لدلالة إحداهن - وهي مفردة - على ذلك، ولا يَدُلُّ على هذا المعنى البليغ بأوجز، ولا أفصح من هذا التركيب، وقد تقدم معنى القنطار واشتقاقه في " آل عمران " والضمير في " منه " عائد على قنطار.
وقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ " آتيتم إحداهن " بوصل ألف إحدى، كما قرأ " إنها لإحدى الكبر "، حذف الهمزة تحقيقاً كقوله :[الرجز]
٢٦٣
١٧٧١ - إنء لَمٍ اُقَاتِلْ فَالْبِسُونِي بُرْقُعَا
وقد طول أبُو البَقَاءِ هنا، ولم يأتِ بطائلٍ فقال : وفي قوله :﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً﴾ إشكالان : أحدهما : أنه جمع الضمير والمتقدم زوجان.
والثاني : أن التي يريد أن يستبدل بها هي التي تكون قد أعطاها مالاً، فَنَهَاهُ عن أخذه، فَأَمَّا التي يريد أن يستحدث بها فلم يكن أعطاها شيئاً حَتَّى ينهى عن خذه، ويتأيد ذلك بقوله ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾.
والجواب عن الأول : أنَّ المراد بالزوج الجمع ؛ لأن الخطاب لجماعة الرجا اال، وكل منهم [قد] يريد الاستبدال، ويجوز أنْ يكون جمع ؛ لأن التي يريد أنْ يستحدثها يفضي حالها إلى أن تكون زوجاً و [أن] يريد أن يستبدل بها كما استبدل بالأولى فجمع على هذا المعنى.
وأمَّا الإشكال الثاني ففيه جوابان : احدُهُمَا : انَّه وضع الظاهر موضع المضمر، والأصل " وآتوتموهن ".
والثاني : أن المستبدل بها مبهمة فقال " إحداهن " إذْ لم يتعين حتى يرجع الضمير إليها، وقد ذكرنا نحواً من هذا في قوله " فتذكر إحداهما الأخرى " انتهى.
قال شهابُ الدِّينِ : وفي قوله " وضع الظاهر موضع المضمر " نظر ؛ لأنَّهُ لو كان الأصل كذلك لأوهَمَ أنَّ الجميع آتوا الأزْوَاجَ قنطاراً كما لم تقدم وليس كذلك.
فصل [حكم المغالاة في المهر]
٢٦٤
قالوا : دَلَّتِ الآية على جواز المغالاة في المهر.
رُوِيَ أنَّ عرم بن الخطاب قال على المِنْبَرِ :" ألاَ لاَ تُغَالُوا في مهور نِسَائكُم " فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب الله يعطينا وَأنْتَ تمنع، وتلت الآية فقال عمر : كلّ الناس أفْقَهُ مِنْكَ يا عكرُ، ورجع عن ذلك.
قال ابن الخطيب : وعندي أنَّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة ؛ لأن قوله ﴿إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً﴾ لا يدل على جواز إيتاء القنطار، كما أن قوله ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء : ٢٢] لا يدل على حصول الآلهة فالحاصل أنَّهُ لا يلزم مكن جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع.
قال عليه الصلاة والسلام :" من قُتل له قتيلٌ فأهله بين خيرتين " ولم يلزم منه
٢٦٥