قال شهَابُ الدِّينِ : لا خلاف بين القوْليْنِ في التَّحْقِيقِ ؛ لأنَّ من قال بنات جمعُ التأنيث، والَّذي قال : بنات جمع " بنوة " لفظ بالأصْلِ فَلاَ خِلاف.
وأعْلَمْ أنَّ تَاء " بِنْتٍ " وَ " أخْت " تاءُ تعويضٍ عن اللامِ المحذوفَةِ، كما تَقَّدَمَ تقريره، وليست للتَّأنِيثِ ؛ لوجهين : أحدُهُما : أنَّ تَاءَ التَّأنيثِ يَلْزَمُ فتح ما قبلها لفظاً أوْ تقديراً : نحو : تَمْرَةٍ وفتاة، وهذه ساكنٌ ما قَبْلَهَا.
والثَّاني : أنَّ تَاءَ التأنيث تبدل في الوقف هاء، وهذه لا تُبْدَلُ، بل تُقَرُّ على حالها.
قال أبُو البَقَاءِ :" فإن قيل : لِمَ رُدَّ المحذوف في " أخوات " ولم يُرَدُّ في " بَنَات " ؟ قيل :[حُمِلَ] كلُّ واحد من الجَمْعَيْنِ على مذكَّرِهِ، فمذكر " بنات " لم يُرَدُّ إليه المحذوف بل قالوا فيه " بَنُون "، ومذكر " أخَوات " رُدَّ فيه محذوفة قالوا في جمع أخ، إخْوَة وإخوان ".
قال شهَابُ الدِّينِ : وهذا الذي قاله ليس بشيء ؛ لأنَّهُ أخذ جمع التَّكسير وهو إخوة وإخوان مقابلاً لـ " أخوات " جمع التَّصْحِيحِ، فقال : رُدَّ في أخوات كما رُدَّ في إخوة، وهذا أيْضاً موجودٌ في بنات ؛ لأنَّ مذكَّره في التكسير رُدَّ إليه المحذوفُ قالوا : ابن وأبناء، ولمّا جمعوا أخاً جمع السَّلامة قالوا فيه " أخُون " بالحذف، فردُّوا في تكسير ابن وأخ محذوفهما، ولم يَرُدُّوا في تصحيحهما، [فبان] فَسَادُ ما قال.
فصل : اعلم أنَّ اللهَ تعالى نَصَّ على تحريم أرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفاً من النِّسْوَانِ، سبعة من جهة النَّسَبِ، وهُنَّ الأمَّهات [والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ وبنات الأخت، وسبعة من غير النسب، وهن الأمهات المرضعات] والأخوات من الرِّضاعة وأمهات النِّساء، وبنات النِّساء المدخُول بأمَّهاتِهِنَّ، وأزواج الأبْنَاءِ، وأزواج الآباء، وقد ذُكِرُوا في الآية المتقدمة، والجمع بين الأختين.
فصل قال الكرخِيُّ : هذه الآية مجملة ؛ لأنَّهُ أضيفَ التَّحريم فيها إلى الأمَّهاتِ
٢٨٢
والبنات، والتحريم لا يمكن إضافَتُه إلى الأعْيَانِ، وإنَّمَا يضاف إلى الأفْعالِ، وذلك الفعل غير مذكُورٍ في الآية فليس إضافة هذا التحريم إلى بعض الأفْعالِ التي لا يمكن إيقاعها في ذوات الأمهات والبنات أوْلى من بعض، فصارت الآية مجملة على هذا الوجه.
قال ابن الخطيب : والجواب من وجهين : الأول : أنَّ تقديمَ قوله ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ يدل على أنَّ المراد من قوله :" حرمت عليكم أمهاتكم " تحريم نكاحهن.
الثاني : أنَّ من المعلوم بالضَّرُورَةِ من دين مُحَمَّدٍ ﷺ أنَّ المراد منه تحريم نكاحِهِنَّ، والأصل فيه أن الحرمة والإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان فالمراد تحريم الفعل المطلوب منها في العرف فإذا قيل ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ فهم كل أحد أنَّ المراد تحريم نكاحهن، ولما قال عليه السَّلام " لا يحل دم امرئ مُسْلِمٍ إلاَّ بإحدى ثلاث " فهم كل أحد أنَّ المراد لا يحلُّ إراقة دمه وَإذَا كان ذلك معلوماً بالضَّرُورَةِ، كان إلْقَاءُ الشُّبهات فيها جارياً مَجْرَى القَدْحِ في البديهيَّاتِ وشبه السُّفُسْطَائِيَّةِ.
بلى عندي فيه بحثٌ من وجوه أخرى : أحدها : أن قوله :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ مذكور على ما لَمْ يُسَمَّ فاعله، فليس فيه تصريح بأنَّ فَاعِلَ هذا التحريم هو اللَّهُ تعالى، وما لم يَثْبُتْ ذلك لم تُفِد الآية شيئاً آخر، ولا سبيل إليه إلا بإجماع، فهذه الآيةُ وحدها لا تفيد شيئاً، بل لا بد معها من الإجماع على هذه المقدمة.
وثانيها : أنَّ قوله تعالى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [ليس] نصاً في ثبوت التحريم على سبيل التأبيد فَإنَّ القدر المذكور في الآية يمكن تقسيمه إلى المُؤقَّتِ، فإنَّهُ يقال تارة ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ مؤقتاً " وحرمت عليكم [أمهاتكم] " مؤبداً، وإذا كان ذلك صالحاً للتَّقْسِيمِ لم يكن نصاً في التَّأبيد فإذنْ لا يُسْتَفاد التأبيد إلاَّ من دليل منفصل.
وثالثها : أنَّ قوله :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ إخبار عن ثبوت هذا التحريم في الماضي، وظاهر اللفظ غير متناول للحاضر والمستقبل، فلا يعرف ذلك إلاَّ بدليل منفصل.
ورابعها : أنَّ هذه ظاهر قوله " حرمت عليكم [أمهاتكم] " يقتضي أنَّهُ قد حرَّم على
٢٨٣