وقيل : إنه لشدّة اتِّصال كل واحد منهما بالآخر كَأنَّهُمَا يحلان في ثواب واحد وفي لحاف واحد، وفي منزل واحد، وعلى هذا فالجاريَةُ كذلك فلا يجوز للأب أنْ يتزوَّج بجارية ابنه.
وقيل : لأنَّ كل واحد منهما كَأنَّهُ حالٌّ في قلب صاحبه وفي روحه لشدَّةِ ما بينهما من المَحَبَّةِ والألفة.
وقيل اشتقاقها من لفظ الحلال إذْ كُلُّ واحد منهما حلال لصاحبه.
فالحليلةُ تكون بِمَعْنَى المحلَّة أيْ المحللة، والجارية كذلك ؛ فَوَجَبَ كونها حليلة، فَفَعِيلٌ بمعنى : مَفْعُول، أي : مُحَلَّلَةٌ، وهو محلل لها، إلاَّ أنَّ هذا يُضْعِفُه دخول تاء التَّأنِيثِ اللَّهُمَّ إلاَّ أن يقال : إنَّه جرى مجرى الجوامد كالنَّطِيحةِ، والذَّبيحة.
وقيل : هما من لفظ " الحَلّ " ضد العقد ؛ لأنَّ كُلاًّ منهما يحل إزار صاحبه.
و " الذين من أصلابكم " صفة مبنية ؛ لأنَّ الابن قد يطلق على المتبنى به، وليست امرأته حرام على من تبنّى، فإنَّ النَّبيَّ ﷺ نكح زينب بنت جحش الأسديّة، وهي بنت أميمةَ بنت عبد المطلب فكانت زينب ابنة عمّة النَّبي ﷺ، وكان زوجها زيد بن حارثة وكان زيد تبناه رسولُ اللَّه ﷺ فقال المشركون إنَّهُ تزوج امرأة ابنه فأنْزَلَ الله تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ﴾ [الأحزاب : ٤] وقال ﴿لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ﴾ [الأحزاب : ٣٧]، وَأمَّا الابن من الرّضَاع فإنَّهُ وإن كان حكمه حكم ابن الصَّلب في ذلك فمبين بالسُّنَّةِ، فلا يَرِدُ على الآية الكريمة.
وأصلاب : جمع صلب، وهو الظّهر، سمِّي بذلك لقوَّتِهِ اشتقاقاً من الصَّلابة، وأفصح لغَتَيْه " صُلْب " بضمِّ الفاء وسكون العين، وهي لغة الحجاز، وبنو تميم وأسد يقولون " صَلَباً " بفتحها حكى ذلك الفرَّاء عنهم في كتاب " لغات القرآن " وأنشد عن بعضهم :[الرجز]
١٧٧٩ - فِي صَلَبٍ مِثْلِ الْعِنَانِ المُؤدَمِ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٨١
وحكى عنهم : إذْ أقُوم أشتكي صَلَبي، وصُلُبٌ بضم الصّاد واللام وصَالِبٌ ومنه قول العبَّاس رضي الله عنه ينقل من صَالبٍ إلى رَحِمٍ.
فصل [الخلاف في حل جارية الابن للأب] قال الشَّافِعِيُّ - رحمه الله تعالى - لا يجوز للأب أنْ يتزوج جارية ابنه وقال أبُو
٢٩٤
حنيفة : يجوز استدلّ الشافعيُّ بما تقدَّمَ من الاشتقاق فمن قال : إنَّهُ ليس كذلك فهو شهادةٌ على النّفي بـ " لا " فلا يلتفتُ إليْه.
انتهى.
فصل [حرمة حليلة الابن بالعقد] اتَّفَقُوا على أنَّ حُرْمَةَ حليلة الابن تَحْصُلُ بنفس الْعَقْدِ كما تحصل حرمة حليلة الأب بنفس العقد، لأنَّ عموم الآية يقتضي ذلك سواء كان مدخولاً بها أو لم يكن.
سئل ابْنُ عَبَّاسٍ عن قوله ﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾ أنَّهُ تعالى لم يبين أنَّ هذا الحكم مخصوص بما إذا دخل الابن بها أو غير مخصوص، فقال ابن عبَّاس : أبهموا ما أبهمه اللَّه، فليس المراد من هذا الإبهام كونها مجملة مشتبهة، بل المرادُ من هذا الإبهام التأبيد، ألا ترى أنَّهُ قال في السّبعة المحرمة من النَّسب إنَّها من المبهمات [أي] اللّواتي تثبت حرمتهن على سبيل التّأييد فَكَذَا هُنَا.
فصل [هل يحرم النكاح باللواط ؟ ] [قال القرطبي] : اخْتَلَفُوا في اللائِطِ فقال مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وأصحابهم لا يحرم النِّكاح باللواط، وقال الثَّوْرِيُّ : إذا لَعِبَ بالصَّبِيِّ حَرُمَتْ عليه أمُّهُ وقال الإمام أحْمَدُ : إذا تلوَّطَ بابن امرأته أو أخيها، أو أبيها حَرُمَتْ عليه امْرأتُهُ وقال الأوزاعيُّ : إذَا لاَطَ بِغُلاَمٍ ووُلِدَ للمفجور به بنتٌ لم يجز للفَاجِرِ أن يتزوَّجها، لأنَّهَا بنت من قد دخل به.
فصل اتَّفَقُوا على أنَّ هذه الآية تقتضي تحريم حليلة ولد الولد على الجدِّ، وهذا يدلُّ على أنَّ ولد الولد يطلق أنَّهُ من صلب الجدّ، وكذلك ولد الولد منسوب إلى الجدّ بالولادة.
قوله ﴿وَأَن تَجْمَعُواْ﴾ في محلّ رفع عطف على مرفوع ﴿حُرِّمَتْ﴾ أي " وحرم عليكم الجمعُ بين الأختين، والمراد الجمع بينهما في النِّكَاحِ.
أما في المِلْك فجائز اتفاقاً، وأمَّا الوطء بملك اليمين ففيه خلاف.
قوله ﴿إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ استثناء منقطع فهو منصوب المحلّ كما تَقَدَّمَ في نظيره، أي : لكن ما مضى في الجاهليَّةِ فَإنَّ اللَّهَ يغفره، وقيل : المعنى إلاَّ ما عقد عليه قبل الإسْلاَمِ، فإنَّهُ بعد الإسلام يبقى النّكاح على صحَّتِهِ، ولكن يختار واحدة منهما ويفارق الأخرى، وتقدَّم قريب من هذا المعنى في ﴿إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ الأوَّل، ويكون الاسْتِثْنَاء عليه متصلاً، وهنا لا يتأتى الاتصال عليه ألْبَتَّةَ لفساد المعنى.
٢٩٥


الصفحة التالية
Icon