والإماء هلاك البيت أو قال فساد " فساد البيت " ذكره القرطبي.
قوله :" فممّا " الفاء قد تقدّم أنَّها إمَّا جواب الشَّرط، وإمَّا زائدة في الخَبَرِ على حَسْبِ القولين في " من " وفي هذه الآية سبعة أوْجُهٍ : أحدها : أنَّها متعلّقة بفعل مقدّر بعد الفاء تقديرُهُ : فينكحُ مِمَّا ملكت أيمانكم و " ما " على هذا موصولة بمعنى الذي أي : نوع الّذي ملكته، ومفعولُ ذلك الفعل المقدّر محذوفٌ تقديرهُ : فَيَنْكِحُ امرأة، أو أمَةً مما ملكته أيمانكم ؛ فـ " مِمَّا " في الحقيقة متعلق بمحذوف لأنَّهُ صفة لذلك المفعولِ المحذُوفِ و " من " للتَّبعيضِ، نحو : أكلتُ مِنَ الرَّغيفِ، و ﴿مِّن فَتَيَاتِكُمُ﴾ في محلِّ نصب على الحال من الضَّمير المقدّر في " ملكت " العائد على [ " مَا " ] الموصولة و ﴿الْمُؤْمِنَات﴾ صفة لفتياتكم.
الثَّاني : أن تكون " مِنْ " زائدة و " ما " هي المفعولة بذلك الفعل المقدَّر أي : فلينكح ما ملكته أيمانكم.
الثَّالثُ : أنَّ " مِنْ " في ﴿مِّن فَتَيَاتِكُمُ﴾ زائدة و ﴿فَتَيَاتِكُمُ﴾ هو مفعولُ ذلك الفعل المقدَّرِ أي : فلينكح فتياتكم، و " مما ملكت " متعلق بنفس الفعل و " من " لابتداء الغاية، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من " فتياتكم " قدم عليها و " من " للتَّبعيضِ.
الرَّابعُ : أن مفعول " فلينكح " [هو المؤمنات أي : فلينكح] المؤمنات الفتيات و " مما ملكت " على ما تقدَّم في الوجْهِ قبله و " من فتياتكم " حال من ذلك العائد المحذوف.
الخامِسُ : أنَّ مما في محَلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : فالمنكوحَةُ مِمَّا ملكت [أيمانكم].
السَّادس : أن " ما " في " مِمَّا " مصدريَّةٌ أي : فلينكح من ملك أيمانكم، ولا بدَّ أن يكون هذا المصدر واقعاً موقع المفعولِ نحو :﴿هَـذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان : ١١] ليصحّ [وقوع] النكاح [عليه].
السَّابعُ : وهو أغبرها ونقل عن جماعة منهم ابن جرير أنَّ في الآية تقديماً وتأخيراًَ
٣٢١
وأنَّ التقدير : ومنْ لَمْ يستطعْ منكمْ [طولاً] أنْ ينكحَ المُحْصنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فلينكح بعضكم من بعض الفتيات، فبعضكم فاعل ذلك [الفعل] المقدّر، فعلى هذا يكون قوله ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ﴾ معترضاً بين ذلك الفعل المقدَّر وفاعله، ومثل هذا لا ينبغي أن يقال.
فصل قال ابن عباس : يُريدُ بقوله ﴿فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم﴾ أي : فليتزوّج جاريةَ أخيه، فإنَّ الإنسانَ لا يجوز له أن يتزوّج بجارية نفسه، والفتيات المملوكات جمع فتاةٍ تقُولُ العربُ للأمة : فتاة، وللعبد : فتى، قال عليه السلامَ :" لا يَقُولَنَّ أحدكُم عَبْدِي، ولا أمَتِي، وَلكِنْ لِيَقُلْ فَتَاي وفَتَاتِي " ويقالُ للجارية الحديثة : فتاة، والغلام، فتى، والغلام، فتى، والأمة تسمى فَتَاة.
قوله :" والله أعلم بإيمانكم " جملة من مبتدأ وخبر جيء بها بعد قوله ﴿مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ لتفيد أنَّ الإيمان الظَّاهر كافٍ في نكاحِ الأمَةِ المؤمنة ظاهراً ولا يشترط في ذلك أن يعلم إيمانها يقيناً، فإنَّ ذلك لا يطلع عليه إلا الله تعالى، وفيه تأنيس أيضاً بنكاح الإماءِ، فإنَّهم كانوا يفرون من ذلك.
قال الزَّجَّاجُ :" المعنى : احملوا فتياتكم على ظاهر الإيمانِ، واللهُ أعلمُ بالسَّرائِرِ ".
قوله تعالى :﴿بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ﴾ مبتدأ وخبر أيضاً، جيء بهذه الجملة أيضاً تأنيساً بنكاح الأمة [كما تقدَّم، والمعنى : أنَّ بعضكم من جنس بعض في النَّسب والدين، فلا يدفع الحر عن نكاح الأمَّةِ، عند الحاجة إليه، وما أحسن قول أمير المؤمنين عَلِيٍّ رضي الله عنه] :[البسيط] ١٧٨٦ - والنَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثيلِ أَكْفَاءُ
أبوهُمُ آدَمٌ والأمُّ حَوَّاءُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
والحكمَةُ في ذِكْرِ هذه الكَلِمَةِ أنَّ العَرَبَ كانوا يَتفاخَرُونَ بالأنْسَابِ، فأخبر تعالى أن ذلك لا يلتفت إليه ؛ لأنَّ الإيمان أعظم الفضائل، وإذا حصل الاشتراك فيه فلا يلتفت إلى ما وراء ذلك.
٣٢٢