قال تعالى :﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة : ٧١] وقال :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات : ١٣] وكان أهلُ الجاهليّة يضعون من أين الهجين فذكر تعالى هذه الكلمة زجراً لهم من أخلاق أهل الجاهليَّةِ.
قوله " بإذن أهلهن " متعلق بـ " انكحوهنّ " وقدّر بعضهم مضافاً محذوفاً أي : بإذنِ أهل ولايتهن، وأهل ولاية نكاحهن هم المُلاَّك.
فصل في نكاح الأمة بإذن سيدها اتَّفَقُوا على أنَّ نكاحَ الأمَةِ بدون إذن سيِّدهَا باطلٌ بهذه الآيةـ فإنها تقتضي كون الإذن شرطاً في جواز النِّكاحِ، وإن لم يكن النكاح واجباً كقوله عليه [الصَّلاة و] السلام :" مَنْ أسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ معلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أجَلٍ مَعلُوم " فالسلم ليس بواجب، ولكنَّهُ إذا اختار أن يُسْلِمَ فعليه استيفاء هذه الشَّرائط، ولأنَّ الأمَّةَ ملك للسيِّد، وبالتّزوج تبطل عليه أكْثَرُ منافعها ؛ فوجب ألاّ يجوز ذلك إلا بإذنِهِ، وأمَّا العبد فلقوله عليه السَّلامُ :" إذَا تَزَوَّجَ العَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ السيّد فهو عاهِرٌ ".
فصل في اشتراط إذن الولي في النكاح استدلُّوا بهذه الآية على أنَّه لا يصحُّ نِكَاحُ الحرَّة البالغة العاقلة إلاَّ بإذن الولي، قالوا : لأنَّ الضَّمِيرَ في قوله ﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ عائد إلى الإماءِ والأمة ذات موصوفة بالرِّق، وصفة الرِّقِّ صفة زَائِلَةٌ لا تتناول الإشارة بتلك الصّفة، إلا تَرى أنَّهُ لَوْ حلف لا يَتكلَّمُ مع هذا الشاب فصار شيخاً ثم تَكَلَّمَ معه حَنَثَ ؛ فثبت أن الإشارة إلى الذَّاتِ الموصوفة بصفَةٍ، عرضية زائلة باقية بعد زوال تلك الصِّفةِ العرضية، وإذَا كان كذلك، فوجب أن تكون الإشَارَة إلى الإمَاءِ باقيةً بعد زَوَالِ الرِّقِّ، وحصول صفة الحريّة لهنّ، وإذا ثبت أنَّ ذلك في الصُّورَةِ الباقية ؛ وجب ثبوته في سائر الصُّورِ، لأنَّهُ لا قائل بالفرق.
قال الرازيُّ : هذه الآية ترد على الشافعيِّ، فإنَّهُ يقول : لا عِبَارَةَ للمرأة في النِّكاح، فإذا ملكت المرأةُ جارية وكلتْ مَنْ يزوجها، واللهُ تعالى شرط إذن أهلهنّ مطلقاً فقد ترك [الظاهر] والجوابُ من وُجُوهٍ :
٣٢٣
الأوَّلُ : المرادُ بالإذن الرِّضَا ولا بدَّ مِنْهُ.
الثَّاني : أنَّ المرادَ بأهلهنّ من يقدر على نكاحهن، فإن كانت امرأةً فموْلاَهَا.
الثَّالِثُ : أنَّ الأهْلَ يتناولُ الذكورَ والإناثَ، لكنَّهُ عام والأدلَّةُ الدَّالَّةُ على المرأة لا تنكح نفسها خاصّة، والخاصُّ مقدَّمٌ وفي الحديثِ :" العَاهِر هي التي تنكِحُ نَفْسَهَا " ولذا كانت مسلوبةَ العبارة في [حقّ] نفسها، فهي في حقّ مملوكها أولى.
قوله تعالى " فآتوهن أجورهن " قال بعضهم : هو المهر، قال : والمُرادَ به مهر المثل لقوله تعالى :﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهذا إنَّمّا ينطلق فيما كان مبنياً على الاجتهاد وغالب الظنِّ في المعتاد والمتعارف كقوله :" وعلى الوارث مثل ذلك " ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة : ٢٣٣].
وقال القاضي :" المرادُ من [الأجُورِ :] النَّفَقةُ عليهنّ قال : لأنَّ المهر مقدّر، فلا معنى لاشتراط المعروف فيه، فكأنَّهُ تعالى بيَّن أنَّ كونها أمَةً لا يقدحُ في وُجُوبِ نفقتها، وكفايتها كما في حقّ الحرة، وأكثر المفسَِّرينَ حملوا قوله :﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ على تَرْكِ المطْلِ، والتَّأخيرِ عند المطالبة على العَادَةِ الجميلَةِ.
فصل في من المستحق لقبض مهر الأمة ؟ نقل أبُو بكرٍ الرَّازِي في أحكام القرآن عن بعض أصْحَابِ مالكٍ، أنَّ الأمة هي المستحقّة لقبض مهرها بهذه الآيةِ.
والجوابُ من وُجوهٍ : أحدُهَا : أنَّا إذا حملنا [قوله] الأجور على النَّفَقَةِ، زال تمسكهم.
وثانيها : إنَّمَا أضاف إيتاء المهور إليهن، لأنَّهُ ثمن بعضهم، وليس في قوله " وآتوهن " ما يوجب كون المَهْرِ ملكاً لهنَّ.
وثالِثُهَا : ثبت أنَّهَا تقتضي كَوْنَ المَهْرِ ملكاً لهُنَّ، ولكنَّهُ عليه السلامُ قال :" العَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ [ملِكٌ] لمولاهُ " وقال تعالى :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل : ٧٥] فنفى الملك عنه.
٣٢٤