ورابُعهَا : أنَّ عِوَضٌ عن منافِع البُضْعِ، وهي مملوكةٌ للسيِّدِ.
قوله :" بالمعروف " فيه ثلاثةُ أوجُهٍ : أحدها : أنَّه متعلِّق بـ ﴿وَآتُوهُنَّ﴾ أي : آتوهن مهورهن بالمعروف.
الثَّاني : أنَّهُ حالٌ من أجورهن أي : ملتبسات بالمعروف، يعني : غير ممطولة.
الثالِثُ : أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بقوله ﴿فَانكِحُوهُنَّ﴾ أي : فانكحوهن بالمعروف [بإذن أهلهن ومهر مثلهن، والإشهاد عليه، وهذا هو المعروفُ] وقيل : في الكلامِ حذف تقديره : وآتوهنَّ أجورهن بإذن أهلهنَّ فحذف من الثَّاني لدلالة الأوَّلِ عليه، نحو ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب : ٣٥].
أي الذاكرات الله.
وقيل : ثُمَّ مُضَاف مقدر أي : وآتوا مواليهن أجورهن ؛ لأنَّ الأمة لا يسلّم لها شيءٌ من المهر.
قوله تعالى ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ حالان من مفعول ﴿فَآتُوهُنَّ﴾ ومحصنات على هذا، بمعنى مزوجات.
وقيل :﴿مُحْصَنَاتٍ﴾ حال من مفعول ﴿فَانكِحُوهُنَّ﴾، ومحصنات على هذا بمعنى عفائف، أو مسلمات، والمعنى : فانكحوهن حال كونهن محصنات لا حال سفاحهن واتِّخَاذِهِنَّ للأخدان، وقد تقدم أن " محصنات " بكسر الصَّاد وفتحها وما معناها، وأن ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ حال مؤكدة.
و ﴿وَلاَ مُتَّخِذَات﴾ عطف على الحال قبله، والأخدان مفعول بمتخذات، لأنَّهُ اسم فاعل، وأخدان جمع " خِدْن " كعِدْل وأعْدَال.
والخِدْنُ : الصَّاحب.
قال أبو زيد : الأخدانُ : الأصدقاء على الفاحشة، واحدهُمْ خِدْنٌ وخدين وهو الّذي يخادنك، ورجل خُدْنَةٌ : إذا اتَّخَذَ أخداناً أي : أصحاباً وقد تقدَّمَ أنَّ المُسَافح هو المجاهر بالزِّنَا، ومتخذ الأخْدَان هو المستتر [به]، وكان الزِّنَا في الجاهليَّة منقسماً إلى هذين القسمين، ولم يحكموا على ذاتِ الخدن بكونها زانية.
قوله :" فإذا أحصن " قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم ﴿أُحْصِنَّ﴾ بضمّ الهمزة وكسر الصَّادِ على البِنَاءِ للمفعول والباقون بفتحها على
٣٢٥
البنَاءِ للفاعل، فمعنى الأوَّلِ أحصن بالتزويج فالمحصن بهن هو الزوجَ، هكذا قاله ابنُ عباسٍ، وسعيدُ بْنُ جُبيرٍ والحَسَنُ ومُجاهِد.
ومعنى الثَّانية :" وأحصن فروجهن أو أزواجهن ".
وقال عُمَرُ وابنُ مسعودٍ والشعبيُّ والنخعيُّ والسديُّ : أسلمن.
وطعنوا في هذا الوجه بِأنَّهُ تعالى وصف الإماء بالإيمان في قوله ﴿فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ ويبعد أن يقال : فتياتكم المؤمنات، ثم يقال : فإذا آمن فإن حالهن كذا وكذا، ويمكن جوابه بأنَّهُ تعالى حكم حكمين : الأوَّلُ : حال نكاح الأمَاءِ فاعتبر الإيمان فيه بقوله :﴿فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾.
والثَّاني : ما يجبُ عليهنَّ عند إقدامهن على الفاحشَةِ، فذكر [حال] إيمانهنَّ أيضاً في هذا الحكم وهو قوله تعالى ﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ﴾.
قوله :" فإن أتين بفاحشة فعليهن " الفاء في " فإنْ " جواب " إذَا " وفي " فعليهن " جواب " إن " فالشَّرط الثَّاني وجوابه مترتِّبٌ على وجود الأوَّلِ، ونظيره : إن أُكلت فإن ضربت عمراً فأنت حرٌّ، لا يُعتق حتى يأكل أولاً، ثم يضرب عمراً ثانياً ولو أسقطت الفاء الدّاخلة على " إن " في مثل هذا التّركيب انعكس الحكم، ولزم أن يَضْرب أولاً ثُمَّ يأكل ثانياً، وهذا يُعْرف من قواعد النَّحْوِ، وهو أن الشَّرْطَ الثَّاني يُجْعل حالاً، فيجب التَّلبُّسُ به أولاً.
قوله :" من العذاب " متعلق بمحذوف ؛ لأنَّهُ حال من الضَّميرِ المستكن في صلة " ما " وهو " على "، فالعامل فيها معنوي، وهو في الحقيقة ما تعلَّقَ به هذا الجر، ولا يجوز أن يكون حالاً من " ما " المجرورة بإضافة " نصف " إليها ؛ لأنَّ الحال لا بدَّ أن يعمل فيها [ما يعمل] في صاحبها [إن] و " نصفُ " هو العامل في صاحبها الخفض بالإضافة، ولكنه لا يعمل في الحال، لأنَّهُ [ليس] من السماء العاملة إلا أنَّ بعضهم يرى أنَّهُ إذا كان
٣٢٦


الصفحة التالية
Icon