جزءاً من المضاف جاز ذلك فيه، والنصفُ جزء فيجوز ذلك.
فصل في الآية إشكال، وهو أنَّ المحصنات في قوله :﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ﴾ إمَّا أن يكون المرادُ منه الحرائِر المتزوّجات، أو الحرائر الأبكار، والسَّبَبُ في إطلاق اسم المحصنات عليهن حريتهن، والأول مُشْكِلٌ ؛ لأن الواجبَ على الحرائر المتزوجات في الزِّنَا الرَّجم، فهذا يقتضي أن يجب في زِنَا الإماء نصفُ الرَّجْمِ وذلك باطل.
والثَّاني وهو أن يكون المراد الحرائر الأبكار، فنصف ما عليهنَّ خمسون جَلْدَةً وهذا القدر واجب في زنَا الأمَةِ، سواء كانت مُحْصَنَةً أو لم تكن، فحينئذ يكون هذا الحكمُ معلقاً بمجرَّدِ صُدُورِ الزِّنَا عنهنَّ، وظاهر الآية يقتضي كونه معلقاً بمجموع الأمرين : الإحصان والزِّنا، لأنَّ قوله ﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ شرط بعد شرط.
فيقتضي كون الحكم مشروطاً بهما نصاً.
فالجوابُ أن يُخْتارَ القسم الثَّاني، وقوله :﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ﴾ ليس المرادُ منه جعل هذا الإحْصَانِ شرطاً لأن يجب في زَنَاهَا خمسُونَ جَلْدَةً، بل المعنى أنَّ حدَّ الزِّنَا يغلظ عند التَّزوُّجِ فهذه إذَا زَنَتْ، وقد تزوَّجت فحدُّهَا خمسون جلدة، لا يزيد عليه فبأن يكون قبل التَّزوُّجِ هذا القدر [أيضاً] أولى، وهذا مما يَجْرِِي [فيه مجرى] المفهوم بالنَّصِّ لأنَّهُ لما خفف الحدَّ لمكان الرّق عند حصول ما يُوجبُ التَّغليظَ فبأن يجب هذا القدر عندما لا يوجد المغلظ أولى، وذهب بعضهم إلى أنَّهُ لا جلد على من لم يتزوّج من المماليك إذَا زَنَا لقوله تعالى :﴿فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ وهذا مرويٌّ عن ابن عباسٍ وبه قال طاووس.
ومعنى الإحصان عند الآخرين الإسلامُ، وإن كان المرادُ منه التزويج، فليس المراد منه أنَّ التزويج شرط لوجوب الحدّ عليه، بل المرادُ منه التّنبيه على أنَّ الممْلُوكَ إذا كان محصناً بالتَّزويج ؛ فلا رجم عليه، إنَّمَا حده الجلد بخلاف الحر، فحدُّ الأمةِ ثابت بهذه الآية، وبيان أنَّه الجلد قوله عليه السلامُ " إذا زَنَتْ أمَةُ أحدكُمْ فليَجْلِدْهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا ولا يُثْرِبْ عليْهَا، ثُمَّ إن زَنَتْ الثَّالِثَةُ ؛ فَلْيَبِعْها وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعِرٍ ".
٣٢٧
فصل في من يقيم الحد على الإماء ؟ اختلفوا فيمن يقيمُ الحدَّ على العَبْدِ والأمَةِ إذَا زَنَيَا، قال بن شهاب : مضت السُّنَّةُ أن يَحُدَّ العَبْدَ والأمَةَ أهلُوهُم في الزِّنَا، إلاَّ أنْ يُرْفَع أمرُهُمْ إلى السَّلطان، فليس لأحَدٍ أن يفتات عليه قوله عليه السلامُ " إذَا زَنَتْ أمَةُ أحدكُمْ فليَجْلِدْهَا مِنْهُمْ، ومَنْ لَمْ يُحْصَن ".
قال مَالِكٌ : يَحُدَّ المولى عبده في الزِّنَا وشرب الخمر، والقَذْفِ إذا شهد عنده الشُّهُودُ، ولا يقطعُهُ في السَّرقَةِ إلاَّ الإمام.
وقال أبُو حنيفةَ :" لا يقيمُ الحُدُودَ عليهم إلاَّ السُّلْطَان ".
فصل متى يحد الأمة السلطان ؟ قال القُرطبيُّ : إذَا زنتِ الأمَةُ ثُمَّ عُتِقَتْ قَبْلَ أن يحدَّها سيِّدُهَا لم يحدَّهَا إلا السُّلْطَان، فإنْ زَنَتْ ثم تزوَّجَتْ لم يكُنْ لسيِّدِهَا أن يجلدَهَا لحقِّ الزَّوْجِ ؛ إذ قد يَضُرُّهُ ذلك، إذَا لم يكن الزَّوْجُ ملكاً للسَّيِّدِ، فلو كان ملكاً للسَّيِّدِ ؛ جازَ ذلك لأن حقَّهُمَا حَقُّهُ.
فصل إذا أقرَّ العَبْدُ بالزِّنَا، وأنْكَرَهُ المولى فالحدُّ يجبُ على العبد لإقرارِهِ، ولا يلتفت لإنكار السَّيِّد، فلو عفا السَّيِّدُ عن عَبْدِهِ، أو أمته إذا زَنَيَا، فقال الحَسَنُ : له أن يغفر وقال غيرُهُ : لا ينفَعُهُ إلاَّ إقامَةُ الحدِّ، كما لا يسع السُّلطانَ أنْ يعفو عن حدٍّ إذا عَلِمَهُ.
قوله :﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ " ذلك " : مبتدأ ولمن خشِيَ : جارٌّ ومجرورٌ [خبره]، والمشارُ إليه بـ " ذلك " إلى نكاح الأمة المؤمنة لمنْ عَدِمَ الطَّوْلَ، والعَنَتُ في الأصْلِ انكسارُ العَظْمِ بعد الجَبْرِ ؛ فاستعير لكلٍّ مَشَقَّةٍ.
٣٢٨