وهو ضعيفٌ، وقد ضعَّفه هو أيضاً، إذا تقرر هذا فنقول : لا تكرار في الآية ؛ لأن تعلّق الإرادة بالتَّوبة في الأَّولِ على جهة العِلِّيَّة، وفي الثَّاني على جهة المفعوليَّة، فقد اختلف المتعلقان.
وقوله ﴿عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ﴾ بالرَّفع عطفاً على ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ﴾ عطف جملة على جملة اسميّة، ولا يجوز أن ينصب لفساد المعنى ؛ إذ يصير التَّقدير : واللهُ يريدُ أن يتوب، ويريد أن يريد الذين، واختار الرَّاغِبُ : أنَّ الواو للحال تنبيهاً على أنَّهُ يريدُ التَّوْبَةَ عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا فخالف بَيْنَ الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى، وتأخيره في الثَّانية ؛ ليبيّن أنَّ الثَّاني ليس على العطف، وقد رُدَّ عليه بأنَّ إرادة اللهِ بالجملة الأولى اسميّة دلالة على الثَّبوت، وبالثَّانية فعلية دلالة على الحدوث.
فصل في تحليل المجوس لما حرم الله تعالى قيل : إنَّ المجوسَ كانوا يحلُّون الأخوات، وبنات الإخوة والأخوات، فلما حرمهنَّ اللهُ تعالى قالوا إنَّك تحلُّون بنت الخالة والعمَّةِ، والخالةُ والعمةُ حرام عليكم فانكحوا بنات الأخ والأخت فنزلتْ هذه الآية.
وقال السُّدِّيُّ : المرادُ بالَّذينَ يتبعونَ الشَّهوات هم اليهودُ والنَّصارى.
وقال مجاهدٌ هم الزُّناةُ يريدون أن يميلوا عن الحقِّ فيزنون كما يزنون.
وقيل : هم جميع أهل الباطل.
فصل قالت المعتزلة قوله ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ يدلّ على أنه تعالى يريد التوبة من الكلِّ والطَّاعة من الكُلِّ.
وقال أهل السُّنَّةِ، هذا محال ؛ لأنَّهُ تعالى علم من الفاسق أنَّهُ لا يتوب، وعلمه بأنَّهُ لا يتوب مع توبته ضدان، وذلك العلم ممتنعٌ الزَّوال مع وجود أحدِ الضِّدَّين، وكانت إرادة ضدّ
٣٣٣
الآخر إرادة لما علم كونه محالاً، وذلك محالٌ، وأيضاً فإنَّهُ إذَا كان يريدُ التَّوْبَةَ من الكُلِّ، ويريد الشَّيْطَانُ أن تميلوا ميلاً عظيماً، ثم يحصلُ مراد الشَّيطان لا مراد الرحمن، فحينئذٍ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتمُّ من نفاذ الرحمنِ في ملك نَفْسِهِ، وذلك مُحالٌ ؛ فثبت أن قوله ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ خطاب مع قوم معنيين حصلت هذه التَّوبة لهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٢
في هذه الجملة احتمالان : أصحُّهما : أنَّها حال من قوله ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ العامل فيها يريد أي : واللهُ يريد أن يتوبَ عليكم يريد أن يخفف عنكم، وفي هذا الإعراب نَظَرٌ من وجهين : أحدهما : أنَّهُ يؤدِّي إلى الفصل بين الحال، وبين عاملها بجملة معطوفة على جملة العامل في الحال ضمير تلك الجملة المعطوف عليها، والجملةُ المعطوفة وهي ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ﴾ جملة أجنبية من الحال وعاملها.
والثَّاني : أنَّ الفعل الذي وقع حالاً رفع الاسم الظَّاهر فوقع الرَّبط بالظاهرِ ؛ لأن ﴿يُرِيدُ﴾ رفع اسم الله، وكان من حقِّه أن يرفع ضميره، والرَّبْطُ بالظَّاهِرِ إنَّمَا وقع بالجملة الواقعة خبراً أو وصلة، أمَّا الواقعة حالاً وصفة فلا، إلا أن يَردَ به سماع، ويصير هذا الإعراب نظير :" بكر يخرج يضربُ بكر خالداً " ولم يذكر مفعول التخفيف فهو محذوف، فقيل تقديره : يخفف عنكم تكليف النظر، وإزال الحيرة، وقيل : إثم ما يرتكبون، وقيل : عام في جميع أحكام الشرع وقد سهل علينا كما قال تعالى ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ ] [الأعراف : ١٥٧] وقال عليه السلام :" بعثت بالحنفية السمحة " وقال ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة : ١٨٥] وقال ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج : ٧٨] وقال مجاهد ومقاتل : المراد به [إباحة] نكاح الأمة عند الضرورة.
قوله تعالى :﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً﴾ والمعنى أنه بضعفه خفف تكليف، والأقرب أن يحمل هذا الضعف على كثرة الدواعي إلى اتباع الشهوة واللذة لا على ضعيف الخلقة [لأن ضعيف الخلقة] لو قوى الله داعيته إلى الطاعة كان في حكم القوي والقوي في
٣٣٤