الخلقة إذا كان ضعيف الدواعي إلى الطاعة صار في حكم الضعيف، فالتأثير في هذا الباب لضعف الداعية وقوتها لا لضعف البدن.
قال طاوس والكلبي وغيرهما : في أمر النساء لا يصبر عنهن.
وقال ابن كيسان : خلق الله الإنسان ضعيفاً أي بأن تستميله شهوته.
وقال الحسن : المراد ضعيف الخلقة وهو أنه [خلقه] من ماء مهين.
وقال تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ﴾ [الروم : ٥٤].

فصل وفي نصب ضعيفاً أربعة أوجه : أظهرها : أنه حال من الإنسان وهي حال مؤكدة.


والثاني :- كأنه تمييز قالوا : لأنه يصلح لدخول " مِنْ " وهذا غلط.
الثالث : أنه على حذف حرف الجرِ، والأصل : خلق من شيء ضعيف، أي : من ماء مهين، أو من نطفة، فلما حُذِفَ الموصوف وحرف الجر وَصَلَ الفعل إليه بنفسه فنصبه.
الرابع :- وإليه أشار ابن عطية، أنه منصوب على أنه مفعول ثانٍ بـ " خلق " قالوا : ويصح أن يكون خلق بمعنى " جُعِلَ " فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى المفعولين فيكون قوله " ضعيفاً " مفعولاً ثانياً، وهذا الذي ذكره غريب لم نرهم نَصُّوا على أن خلق يكون كـ " جعل " فيتعدى لاثنين مع حصرهم الأفعال المتعدية للاثنين، ورأيناها يقولون : إن " جَعَلَ " إذا كان بمعنى " خَلَقَ " تعدت لواحد.
فصل روي عن ابن عباس أنه قال : ثماني آيات في سورة النساء خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت قوله تعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء : ٢٦] ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ و ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء :
٣٣٥
٣١] ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء : ٤٨] ﴿إِنَّ [اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ] مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ النساء : ٤٠]، ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُواءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ [النساء : ١١٠] و ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ﴾ [النساء : ١٤٧].
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٤
في كيفية النظم وجهان : أحدهما : أنه تعالى لما ذكر كيفية التصرف في النفوس بسبب النكاح ذكر كيفية التصرف في الأموال.
الثاني : لما ذكر ابتغاء النكاح بالأموال وأمر بإبقاء المهور بيَّن بعد ذلك كيفية التصرف في الأموال، وخص الأكل بالذكر دون غيره من التصرفات لأنه المقصود الأعظم من الأموال ؛ لقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً﴾ [النساء : ١٠]، واختلفوا في تفسير الباطل فقيل هو الربا والغضب والقمار والسرقة والخيانة وشهادة الزور وأخذ المال باليمين الكاذبة، وعلى هذا تكون الآية مجملة لأنه يصير التقدير : لا تأكلوا أموالكم التي حصلتموها بطريق غير مشروع، ولم يذكر ههنا الطريقة المشروعة على التفصيل فصارت الآية مجملة.
وروي عن ابن عباس والحسن أن الباطل هو ما يؤخذ من الإنسان بغير عوض وعلى هذا لا تكون الآية مجملة لكن قال بعضهم : إنها منسوخة : قال لما نزلت هذه الآية تحرّج الناس من أن يأكلوا عند أحد شيئاً وشق ذلك على الخلق.
فنسخ الله تعالى ذلك بقوله في سورة النور ﴿لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ [النور : ٦١] وأيضاً إنما هو تخصيص ولهذا روى الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : هذه الآية محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
٣٣٦
وقيل : المراد بالباطل [هو] العقود الفاسدة، وقوله ﴿لاَ تَأْكُلُوا ااْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [يدخل فيه أكل مال الغير بالباطل] وأكل مال نفسه بالباطل فيدخل فيه القسمان معاً كقوله :﴿وَلاَ تَقْتُلُوا ااْ أَنْفُسَكُم﴾ يدل على النهي عن قتل غيره وقتل نفسه أما أكل مال نفسه بالباطل فهو إنفاقه في معاصي الله تعالى، وأما أكل مال غيره بالباطل فقد عددناه.
قوله :﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً﴾ في هذا الاستثناء قولان : أصحهما : أنه استثناء منقطع لوجهين : أحدهما : أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها سواء فسرنا الباطل بغير عوض، أو بغير طريق شرعيّ.
والثاني : أن المستثنى كون، والكون ليس مالاً من الأموال.
الثالث : أنه متصل قيل : لأن المعنى لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة.
قال أبو البقاء : وهو ضعيف ؛ لأنه قال : بالباطل، والتجارة ليست من جنس الباطل، وفي الكلام حذف مضاف تقديره ؛ إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة انتهى.
فـ " أن " تكون في محل نصب على الاستثناء وقد تقدم تحقيقه.
وقرا الكوفيون تجارة نصباً على أن كان ناقصة، واسمها مستتر فيها يعود على الأموال، ولا بد من حذف مضاف من " تجارة " تقديره : إلا أن تكون الأموال أموال تجارة، ويجوز أن يفسر الضمير بالتجارة بعدها أي : إلا أن تكون التجارةُ تجارةً كقوله :[الطويل] ١٧٩٠ -.....................


الصفحة التالية
Icon