وتكون " مَا " بمعنى " مَنْ "، والجارّ، والمجرورُ صِفَةٌ للمضاف إليه " كُلّ "، والكلامُ على هذا جُمْلَةٌ واحِدَةٌ، وفي هذا بُعْدٌ كبير.
الرَّابعُ : إذا كان التَّقديرُ وَلِكلِّ قوْمٍ، فالمعنى : ولكل قوم جعلنهم مَوَالي نصيبٌ مِمَّا تَرَكَهُ والدُهم وأقربوهم، فـ " لكل " خبر مقدّم، و " نَصِيب " مُبْتَدَأٌ مُؤخَّرٌ، و " جعلناهم " صفة لقوم، والضَّمِيرُ العَائِدُ عليهم مفعولُ :" جعل "، و " موالي " : إما ثانٍ وإمّا حالٌ، على أنَّهَا بمعنى " خلقنا "، و " مما ترك " صفةٌ للمبتدأ، ثم حُذف المُبْتَدَأ، وبقيت صفته، [وحُذِفَ المُضَافُ إليه " كُلّ " وبقيت صفته أيضاً]، وحُذف العَائِدُ على المَوْصُوفِ.
ونظيره : لِكُلِّ خَلَقَهُ اللَّه إنْسَاناً مِنْ رِزْقِ اللَّه، أي : لِكُلِّ أحدٍ خلقه اللَّه إنْسَاناً نَصِيبٌ من رزقِ اللَّهِ.
الخَامِسُ : إنْ كَانَ التَّقدِيرُ : ولكلِّ مالٍ، فقالوا : يكون المعنى : ولكلِّ مال مِمَّا تركه الوالدانِ والأقربون جعلنا موالي، أي : وُرَّاثاً يلونه، ويحوزونه، وجعلوا " لِكُلّ " متعلقة : بـ " جَعَلَ "، و " مِمَّا ترك " صفة لـ " كُلّ "، والوالدان فَلعِلٌ بـ " تَرَكَ "، فيكونُ الكلامُ على هذا، وعلى الوجهين قبله كلاماً واحداً، وهذا وإنْ كَانَ حَسَناً، إلاّ أنَّ فيه الفَصْلَ بين الصِّفَةِ والموْصُوفِ بجملةٍ عامِلَةٍ في الموْصُوفِ.
قاتل أبُو حَيَّان :" وهو نظير قولك : بكلِّ رَجُلٍ مَرَرْتُ تميميٍّ وفي جواز ذلك نَظَرٌ ".
قال شهَابُ الدِّينِ :" ولا يحتاجُ إلى نَظَرٍ ؛ لأنَّهُ قد وُجِدَ الفصلُ بَيْنَ الموْصُوفِ والصِّفَةِ بالجملةِ العَامِلَةِ في المُضَافِ إلى المَوصُوفِ، كقوله تعالى :﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الأنعام : ١٤] فـ ﴿فَاطِرِ﴾ صفة لـ ﴿اللَّه﴾، وقد فُصِلَ [بينهما] بـ ﴿أَتَّخِذُ﴾ العامل في ﴿أَغَيْرَ﴾ فهذا أولى ".
السَّادسُ : أنْ يكُونَ لكلِّ [مال] مفعولاً ثانياً لـ " جعَلَ " على أنَّها تصييرية، و " مَوَالي " مفعول أوَّل، والإعرابُ على ما تقدَّمَ.
فصل " المَولى " لفظ مُشْتَرَكٌ بيْنَ مَعَانٍ : أحدها : المعتِقُ ؛ لأنَّهُ ولي نعمة من أعتقه، ولذلك سمي مولى النعمة.
ثانيها : الْعَبْدُ المُعْتَقُ لاتِّصَالِ ولايَةِ مَوْلاَهُ به في إنْعَامِه عليه، وهذا كما سُمِّيَ
٣٥٥
الطَّالِبُ غرِيماً ؛ لأنَّ له اللُّزُوم والمطالبة بحقِّه، ويسمَّى المطلوب غريماً، لِكونِ الدِّينِ لازِماً له.
وثالثها : الحليفُ ؛ لأنَّ المحالف يلي أمْرَهُ بِعَقْدِ اليَمينِ.
ورابعُهَا : ابْنُ العَمِّ ؛ لأنَّهُ يليه بالنُّصْرَةِ.
وخامسها : المولى لأنَّ يليه بالنُّصْرَةِ، قال تعالى :﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد : ١١].
سادسُهَا : العَصَبَةُ، وهو المُرادُ بهذه الآية ؛ لقوله عليه السلامُ :" أنا أوْلَى بالمؤمنينَ، مَنْ مَات وتَرَكَ مالاً، فَمَالُهُ لمَوَالِي الْعَصَبَةِ، ومَنْ ترك ديناً ؛ فأنَا وَلِيُّه ".
وقال عليه السلامُ :" ألْحِقُوا الفَرَائِضَ بأهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فللأوْلَى عصبَةٍ ذكر ".
قوله ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ﴾ في محلّهِ أربعة أوجهٍ : أحدُهَا : أنَّهُ مُبْتدأ والخبر قوله :" فآتوهم " [ودخلت الفاء في الحيز لتضمن الذي معنى الشرط].
الثَّاني : أنَّهُ منصوبٌ على الاشْتِغالِ بإضمار فعلٍ، وهذا أرجحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ بَعْدَهُ طلباً.
والثَّالِثُ : أنَّهُ مرفوعٌ عطفاً على ﴿الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾، فإن أريدَ بالوالدين أنَّهُم موروثون، عادَ الضَّميرُ من " فآتوهم " على " موالي " وإن أُريد أنَّهُم وَارِثُون جازَ عودُه على " موالي " وعلى الوالدَيْنِ وما عُطِفَ عليهم.
٣٥٦