قوله :﴿إِن يُرِيدَآ﴾ يَجُوزُ أن يَعُودَ الضميران في ﴿إِن يُرِيدَآ﴾ و ﴿بَيْنَهُمَآ﴾ على الزَّوْجَيْنِ، أي : إن يُرد الزَّوجان إصلاحاً يُوفِّق اللهُ بَيْنَ الزوجين، وأنْ يَعُودا على الحَكَمَيْنِ، وأن يُعودَ الأوَّلُ على الحَكَمَيْنِ، والثَّانِي على الزَّوْجَيْنِ، وأنْ يَكُونَ بالعكس وأُضْمِرَ الزَّوجان وإن لم يجر لهما ذكرٌ لدلاَلَةِ ذِكرِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ عليهما.
وجعل أبُو البقاءِ الضَّميرَ في ﴿بَيْنَهُمَآ﴾ عائداً على الزَّوْجَينِ فقط، سَوَاءٌ قيل بأن ضمير ﴿يُرِيدُ اللَّهُ﴾ عائداً على الحكمين، او الزوجين.
فصل قال القُرْطُبِيُّ : ويجزي إرسالُ الوَاحِدِ قال : لأن الله - تعالى - حكم في الزنا بأربعة شهود، ثم أرسل النبي ﷺ إلى المرأة الزَّانية أنَيْساً وحده، وقالَ له :" إن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " قال : وإذا جَازَ إرسال الواحد فلو حَكَّمَ الزوجان واحداً أجْزَأ إذَا رَضِيَا بذلك، وإنما خاطب الله الحكام دون الزوجين، فإن أرسل الزوجان حَكَمَيْنِ وحَكما نفذ حكمهما ؛ لأن التحكيم عندنا جائز، وينفذ فعلُ الحكم في كل مسألة، إذا كان كل واحد منهما عدلاً.
وأصل التوفيق المُوافَقَةَ، وهي المُسَاوَاة في أمْرِ من الأمور، فالتَّوْفِيق اللُّطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة.
ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ والمراد : الوعيد للزَّوْجَيْنِ والحَكَمَيْنِ في طريق سُلُوك المُخَالفِ الحق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٦
لمَّا أرشد كُلَّ وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ إلى المُعَاملة الحسنة [مع الآخر، أرشد في هَذهِ الآية إلى سَائِرِ الأخْلاَق الحَسَنة] وذكر منها [هَهُنا] عَشْرَة أنْوَاع : الأول : قوله - تعالى - ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ﴾ قال ابن عبَّاس : وَحِّدوُهُ، واعلم أن العِبَادة عبارةٌ عن كل عَمَل يُؤْتَى به لمجَرَّد أمْر الله - تعالى - بذلك، ولما أمَر بالعبَادَةِ، أمر بالإخلاصِ فيها : فقال ﴿وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً﴾.
٣٦٩
قال القرطُبي : ذكر العُلَمَاء أن من تطهَّر [تَبَرُّداً] أو صام [حميَّة] لِمعدَتِهِ، ويرى مع ذَلِكَ التَّقرُّب لم يُجْزِه ؛ لأنه مَزَج [نية] التَّقرُّب بنيَّة دُنْيَويَّة، ولذا إذا أحسَّ الإمام بداخِلٍ وهو رَاكِعٌ لم يَنْتَظِرْه، لأنه يُخْرِج ذكر [الله] بانتظاره عن كَوْنِه خالصاً - لله - تعالى.
ثم قال ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ وتقدم الكلام على نظير هذا في البَقَرَةِ، واتَّفقوا على أن ههنا مَحْذوفاً، والتَّقْدير :" وأحسنوا بالوالدين إحساناً " ؛ كقوله :" فضرب الرقاب " أي : فاضْربُوها، وقرأ ابن أبي عَبْلَة :" إحسان " بالرَّفع على أنَّه مُبْتَدأ، وخبره الجَارّ [والمجرور] قَبْلَهُ.
والمراد بهذه الجُملَةِ : الأمر بالإحسان وإن كانت خبريةً ؛ كقوله - تعالى - ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [يوسف : ١٨].
قوله :﴿وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾ فأعاد الباء، وذلك لأنها في حق هذه الأمَّة، فالاعتناء بها أكثر، وإعادة الباء تدل على زيادة تأكيد فنتسب ذلك هنا، بخلاف آية البَقَرَة، فإنَّها في حقِّ بني إسْرائيل، والمراد الأمْر بصلَة الرَّحم، كما ذكر في أول السُّورة بقوله :﴿وَالأَرْحَامَ﴾ [النساء : ١].
واعلم أن الوَالِدَيْنِ من القَرَابة أيضاً، إلا أنَّهما لمّا تَخَصَّصَت قرابتهما بكَوْنِهمَا أقرب القَرَابات، لا جرم خصّهما بالذِّكْر.
﴿وَالْيَتَامَى ﴾ فاليتيم مَخْصُوص بنوعِيْن من العَجْز : أحدهما : الصِّغر.
والثاني : عَدَم المُنْفِق، ومن هذا حَالهُ كان في غَايَة العَجْزِ واستِحْقَاقِ الرحمة.
قوله ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ فالمسْكين وإن كان عدِيم المالِ، إلا أنَّه لكبره يمكنه أن يَعْرض حالَ نَفْسَه على الغَيْرِ ؛ فيجتلب به نَفْعَاً أو يدفعَ به ضرراً، وأما اليتيمُ، فلا قُدرة له ؛ فلهذا المعنى قدَّم الله اليتيم في الذِّكر على المِسْكِين، والإحْسَان إلى المِسْكِين إما بالإجْمَالِ إلَيْهِ، وإمّا بالرَّدِّ الجميل، لقوله :﴿وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ﴾ [الضحى : ١٠].
وقوله :﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ الجمهور على خفض الجارّ، والمراد به القَرِيب النَّسِيب، وبالجار الجُنُب : البعيد النَّسِيب.
٣٧٠
وعن مَيْمُون بن مَهْرَان : والجار ذِي القُرْبَى، أُريد به الجارِ القريب، قال ابن عطيَّة : وهذا خطأ ؛ لأنَّه على تأويله جمع بين ألَ والإضافة، إذ كان وَجْه الكَلاَمِ : وجار ذي القُرْبَى [الجار القريب]، ويمكن جوابُه على ان ذِي القُرْبَى، بدل من الجارِّ على حَذْفِ مُضَافٍ، أي : والجار ذِي القُرْبَى ؛ كقوله :[الخفيف].
١٧٩٣ - نَصَرَ اللهُ أعْظُماً دَفَنُوهَا
بسجِسْتَانَ طَلحة الطَّلحَاتِ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٩