أي : أعْظُم طَلْحَة، [ومن كلامهم] : لو يعلمُون العِلْم الكبيرة سنة، أي : علم الكبيرة سنّه، فحذف البَدل لدلالة الكلام عليه.
وقرأ بعضهم :" والجار ذا القربى : نصباً، وخرجه الزَمَخْشَرِي على الاخْتِصَاص لقوله - تعالى - :﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة : ٢٣٨] والجُنُب صِفَة على فُعُل، نحو :" ناقة سُرُح "، ويَسْتَوي فيه المُفْرَدَ والمثّنَّى والجُمُوع، مذكراً أو مؤنثاً، نحو :" رجال جنب " وقال - تعالى - :﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً﴾ [المائدة : ٦]، وبعضهم يثنيه ويجمعه، ومثله : شُلُل، وعن عَاصِم : والجَار الجَنْبِ، بفتح الجيم وسُكُون النون وهو وَصْفٌ أيضاً بمعنى المُجَانِب، كقولهم : رجل عَدْل، وألفُ الجَار عن واو ؛ لقولهم : تجاورُوا، وجَاوَرْتُه، ويُجْمَع على جيرة وجِيَران، والجَنَابَةِ البُعْد ؛ قال [الطويل] ١٧٩٤ - فَلاَ تَحْرمَنِّي نَائلاً عَنْ جَنَابَةٍ
فَإنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ القبابِ غَريبُ
لأن الإنْسَان يُتركُ جَانباً، ومنه ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن[ نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ ] [إبراهيم : ٣٥]، وأصله من الجَنَابَة، ضِدّها القَرَابَة، وهو البُعْدُ، يقال : رَجُلٌ جُنُبٌ، إذا كان غريباً مُتَبَاعِداً عن أهله، ورَجُل أجْنَبِيٌّ، وهو البَعيد منك في القَرَابة، ومنه الجَنَابَة من الجِمَاع ؛ لتباعده عن الطَّهَارَةِ وعن الصَّلاة حَتَّى يَغْتَسِل، وهذان الجنبانِ ؛ لبُعْد كلِّ واحدٍ منهما عن الآخر.
٣٧١
فصل : في الإحسان إلى الجار قالت عَائِشَة - رضي الله عنها - :" يا رسولُ الله، إن لي جارَيْن، فإلى يهما أُهْدِي، قال : إلى أقربِهِمَا منكِ باباً "، وعن ابْن عُمر ؛ قال : قال رسولُ الله ﷺ :" ما زال جِبْريلُ يُوصِيني بالجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ "، وقال - عليه السلام - :" لا يَدْخُلُ الجَنَّة من لا يَأمَنْ جَارَهُ بَوائِقَهُ، ألاَ وَإنَّ الجَوارَ أرْبَعُون " وكان الزهري يقول : أرْبَعُون يَمْنَة، وأربعون يَسْرَة، وأربعون أمَامَه، وأرْبَعُون خَلْفه.
وعن بي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - :" قيل : يا رسولُ الله، إن فُلانَة تَصُوم النَّهار وتصلي بالَّيْلِ، وفي لِسَانِها شَيءٌ يؤذي جِيرانَهَا، [فقال :" لا يَحْفَظُ] حق الجَارَ إلا مَنْ رَحم الله، وقليل ما هُم، أتدرون ما حَقَّ الجَارِ : إن افْتَقَر أغْنَيْتَه، وإن استقْرَضَ أقْرَضْتَه، وإن أصابه خير هَنَّيْتَه، وإن أصَابه ضَرٌّ عَزَّيته، وإن مَرِضَ عُدْتَه، وإن ماتَ شَيَّعْت جَنَازته ".
٣٧٢
وقال نَوف الشَّامِي :﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ المُسْلِم، [والجار] الجُنُب : اليَهُودي والنَّصرَاني.
قال القرطبي : وعلى هذه فالوصاية بالجارِ، مأمورٌ بها مَنْدُوب إليها، مسلِماً كان أو كَافِراً، وهو الصَّحيح، والإحْسَان قد يكون بِمَعْنَى المُواسَاة، وقد يكون بِمَعْنَى حُسْن العِشْرَةِ، وكَفّ الأذَى، والمُحَامَاة دُونَه.
وقال - عليه الصلاة والسلام - :" الجيرَان [ثلاثة :] فجارٌ له ثلاثة حُقُوقٍ، وجار له حَقَّان وجارٌ له حَقٌّ واحد ".
فأما الجار الَّذِي له ثلاَثَةُ حُقُوقٍ : فالجار القَريب المُسْلِم، له حقُّ الجِوار، وحق القَرَابَة، وحَقّ الإسْلام.
والجارُ الذي له حَقَّان : فهو الجَار المُسْلِم فله حق الإسلام، وحق الجِوارِ.
والجار الذي له حَقٌّ واحد : هو الكَافِر، له حق الجِوَار.
وقال بَعْضُ العُلَمَاءِ :﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ هو القريب المَسْكَن منك، ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ هو البعيد المَسْكَن منك.
قال القَرْطُبِي : وأحَاديثُ إكرامِ الجَارِ جاءت مُطْلَقَةٌ غير مُقَيَّدة، حتى الكَافِر وفي الخبر " قالُوا : يا رسولُ الله، أنطعمهم من لُحُوم النُّسُك ؟ قال :" لا تطعم المشركين من نسك المسلمين " فنهيه - عليه السلام - عن
٣٧٣