إطْعَام المُشْرِكين من نُسُك المُسْلِمِ، يحتمل النُّسُك لوَاجب الذي لا يجُوزُ للنَّاسِك أن يَأكُل مِنْهُ، ولا أن يُطْعِمَهُ الأغْنِيَاء، فأما غير الوَاجِبِ الذي يُجْزِيه إطعام الأغنياء، فيجوز أن يُطعِمَهُ أهْل الذِّمَّة " قال - عليه الصلاة والسلام - لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها - عند تفريقِ لَحْمِ الأضحِيَة :" أهْدِي جَارَنَا اليَهُودِيّ ".
قوله :﴿وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ﴾ قال مُجاهد، وابن عبَّاس، وعِكرمة، وقتادة : يعني : الرفيق في السَّفَر، وقال عَلِيّ وعبد الله، والنَّخعِي : وهو المرْأة تكون إلى جِنْبِهِ.
وقال ابن جُرَيْج، وابن زِيْد : هو الذي يَصْحَبُك رجاء نَفعِك، وقيل : هو الَّذِي صحبك إما رفيقاً في سَفَرٍ، وإما جًاراً مُلاصِقاً، وإما شريكاً في تَعَلُّم أو حرْفَة، وإما قاعداً إلى جَنْبِك في مَجْلس وَاحِدٍ أو مَسْجِد أو غير ذلك، من أدنى صُحْبَة التأمَت بينك وبَيْنَهُ.
وقوله :﴿بِالجَنْبِ﴾ في الباء وجْهَان : أحدهما : أن تكون بمعنى " في ".
والثاني : أن تكون على بَابِها وهو الأوْلَى، وعلى كلا التَّقْدِيرَيْن تتعلّق بمحذُوف ؛ لأنها حَالٌ من الصَّاحِبِ.
قوله :﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ قيل : هو المُسافِرِ الذي انْقَطع عن بلده، وقيل : هو الضَّيْف، قال - عليه السَّلام - :" من كان يُؤمِن بالله واليَوْمِ الآخر فليُكْرِم ضَيْفَهُ ".
٣٧٥
وقوله :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْْ﴾ [النساء : ٣] يجوز أن يُرَاد بـ " ما " غير العَبِيد والإمَاء حَمْلاً على الأنْوَاع ؛ لقوله - تعالى - ﴿مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النساء : ٣] وأن يكون أُريد جميع ما مَلَكَهُ [الإنسان] من الحَيَوانات، فاختلط العَاقِلُ بغيره، فأتى بـ " ما ".
فصل روت أمّ سَلَمة - رضي الله عنها - :" قالت : كان النَّبِيُّ ﷺ يقولُ في مَرَضِه :" الصَّلاة وما ملكت أيمانكم "، وقال - عليه السلام - :" هم إخْوَانكُم جَعَلهم الله تَحْتَ أيْديكم، فمن جعل الله أخَاه تحت يَده، فَلْيُطْعِمْه ممّا يأكُل، وليلبسه مما يَلْبِس، ولا يُكَلِّفْه من العَمَل ما يغلبه [فإن كَلَّفَهُ مَن العَمَل مَا يغلبه] فَلْيُعِنْهُ عليه ".
ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾ : المُخْتَال هو ذُو الخُيَلاَء والكِبْر.
قال أهل اللغة : هو التيَّاه، والمُخْتَال اسم فاعِلٍ من اخْتَال يَخْتَال، أي : تَكَبَّر وأعْجِب بنَفْسِهِ، وألفهُ عن ياءٍ ؛ كقولهم : الخُيَلاَءُ والمَخِيلَة، وسُمِع أيضاً : خَالَ الرَّجُل يخال خَوْلاً بالمعنى الأوَّل، فيكون لهذا المَعْنَى مَادَّتَان خَيْلَ وَخَوَلَ.
قال ابن عبَّاس :" يريد المُخْتَال العَظِيم في نَفْسِهِ، الذي لا يَقُوم بحقُوقُ أحَد ".
والفَخُور صيغة المُبَالَغَة، وهو الَّذِي يعد مَنَاقِبَ نَفْسِه ومحاسنه، وقال ابن عبَّاس : الفَخُور الذي يَفْخَر على عِبَاد الله بما أعْطَاه من أنْواع نِعَمِهِ.
وقال - عليه السلام - :" بينما رجل يتبختر في بردين، وفد أعْجِبَتْه نَفْسُه، خسف الله به الأرْض، فهو يتجْلجَل فيها إلى يَوْم القِيِامَةِ ".
٣٧٥
وقال - عليه السلام - :" لا يَنْظُر الله إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيْلاَء يوم القِيامَة ".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٩
في :﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ سَبْعَة أوجه : أحدها : أن يكُون مَنْصُوباً بدلاً مِنْ " مَنْ "، وجُمِعَ حَمْلاً على المَعْنَى.
الثاني : أنه نَصْب على البَدَل من ﴿مُخْتَالاً﴾ وجُمِعَ أيضاً لما تقَدَّم.
الثالث : أنه نُصِبَ على الذَّمِّ.
قال القرطبِي : ويجوز أن يكُون مَنْصوباً بإضْمَار " أعْنِي "، وقالَ : ولا يجوز أن يكون صِفَة ؛ لأن " مَنْ " و " ما " لا يوصفان ولا يُوصَفُ بهما.
الرابع : أنه مُبْتَدأ وفي خَبَره قولان : أحدُهُما : محذوف فَقَدَّرهُ بعضُهم :" مبغضون " لدلالة " إن الله لا يحب " [وبعضهم :] " معذبون " ؛ لقوله :" وأعتدنا للكافرين عذاباً ".
وقدَّره الزمخشري " أحقَّاء بكل مَلاَمَة "، وقدره أبو البَقَاء : أُولَئِكَ أوْلِيَاؤُهُم الشَّيْطَان.
والثاني : أن قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء : ٤٠] ويكون قوله :[ ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَآءَ النَّاسِ﴾ ] [النساء : ٣٨] عطفاً على المُبْتدأ والعَائِد مَحْذُوفٌ، والتقدير : الذين يَبْخَلُون، والَّذين يُنْفِقُون أموالهم، [رئاء النَّاسِ] ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء : ٤٠]، [أو مثقال ذرة] لَهُم، وإليه ذَهَب الزَّجَّاج وهذا متكَلَّف جدًّا ؛ لكثرة الفَواصِل ولقَلَقِ المَعْنَى أيضاً.
٣٧٦


الصفحة التالية
Icon